أما قوله تعالى :﴿والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ فيحتمل أن يكون المراد منه ما يعطي الله المتقين في الآخرة من الثواب، ويحتمل أن يكون المراد ما يعطي في الدنيا أصناف عبيده من المؤمنين والكافرين فإذا حملناه على رزق الآخرة احتمل وجوهاً أحدها : أنه يرزق من يشاء في الآخرة، وهم المؤمنون بغير حساب، أي رزقاً واسعاً رغداً لا فناء له، ولا انقطاع، وهو كقوله :﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ﴿غافر : ٤٠ ] فإن كل ما دخل تحت الحساب والحصر والتقدير فهو متناه، فما لا يكون متناهياً كان لا محالة خارجاً عن الحساب وثانيها : أن المنافع الواصلة إليهم في الجنة بعضها ثواب وبعضها تفضل كما قال :{فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مّن فَضْلِهِ﴾ ﴿النساء : ١٧٣ ] فالفضل منه بلا حساب وثالثها : أنه لا يخاف نفادها عنده، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه، لأن المعطي إنما يحاسب ليعلم لمقدار ما يعطي وما يبقي، فلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به، والله لا يحتاج إلى الحساب، لأنه عالم غني لا نهاية لمقدوراته ورابعها : أنه أراد بهذا رزق أهل الجنة، وذلك لأن الحساب إنما يحتاج إليه إذا كان بحيث إذا أعطى شيئاً انتقص قدر الواجب عما كان، والثواب ليس كذلك فإنه بعد انقضاء الأدوار والأعصار يكون الثواب المستحق بحكم الوعد والفضل باقياً، فعلى هذا لا يتطرق الحساب ألبتة إلى الثواب وخامسها : أراد أن الذي يعطي لا نسبة له إلى ما في الخزانة لأن الذي يعطي في كل وقت يكون متناهياً لا محالة، والذي في خزانة قدرة الله غير متناه والمتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي فهذا هو المراد من قوله :{بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ وهو إشارة إلى أنه لا نهاية لمقدورات الله تعالى وسادسها :﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي بغير استحقاق يقال لفلان على فلان حساب إذا كان له عليه حق، وهذا يدل على أنه لا