قال ابن عرفة : جعل السؤال ( هنا ) عن حال الشيء ويظهر لي وجه آخر وهو أن السؤال بماذا عن حقيقة الشيء وهي قسمان : عقلية وشرعية.
فالعقلية لا يختلف جوابها بوجه ولا يمكن فيه التحريف، وأما الشرعية فهي أمور جعلية يصح تحريف الشّارع لها عن شيء آخر، فالمراد : يسألونك عن حقيقة الشيء المنفق المحصل للثواب في الدار الآخرة ما هو ؟ فأجيبوا بأنه الشيء المنفق على الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وفعل الخير بالإطلاق.
قوله تعالى :﴿قُلْ مَآ أَنفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل...﴾.
( مَا ) إما شرطية أو موصولة.
قال ابن عرفة : الظاهر أنها شرطية، لأن فعل الشرط مستقبل ولو كانت موصولة لما حسن ترتيب الجواب عليها، لأنهم لم يكن إنفاقهم الماضي قاصرا على الوالدين والأقربين ومن بعدهم، بل عاما فيهم وفي غيرهم، فإنَّما أمروا بذلك في المستقبل.
قيل لابن عرفة : قد قال ابن مالك : إنّ الفعل بعد الموصول يحتمل الحال والاستقبال.
قوله تعالى :﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾.
علله بالعلم والمراد لازمه وهو حصول الثواب الجليل عليه.
فإن قلت : الآية تدل على أن الأب مساوٍ للأم في البر لتسويتهما في النفقة عليهما ؟
قلنا : الآية إنّما تضمنت مطلق الإنفاق عليهما من غير تعرض لما بينهما من التفاوت، بدليل تضمنهما أيضا النفقة على الأقربين بالإطلاق، مع أنّهم متفاوتون لأن القرابة مقولة بالتشكيك، فالنفقة على أقرب الأقربين تكون أكثر ( من النفقة ) على من هو أبعد منه. وابن السبيل هو المسافر إذا قدم على بلد هو فيها فقير ويكون في بلده غنيا، فإن كان فقيرا في بلده فهو مسكين. أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٦١٤ ـ ٦١٥﴾