قلنا : بل يقتضي أن يكون واجباً على الأعيان لأن قوله :﴿عَلَيْكُمْ﴾ أي على كل واحد من آحادكم كما في قوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام﴾ حجة عطاء أن قوله :﴿كُتِبَ﴾ يقتضي الإيجاب، ويكفي في العمل به مرة واحدة وقوله :﴿عَلَيْكُمْ﴾ يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت إلا أنا قلنا : إن قوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام﴾ حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك، بدلالة منفصلة وهي الإجماع، وتلك الدلالة مفقودة ههنا فوجب أن يبقى على الوضع الأصلي، قالوا : ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى :﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ ﴿النساء : ٩٥ ] ولو كان القاعد مضيعاً فرضاً لما كان موعوداً بالحسنى، اللهم إلا أن يقال : الفرض كان ثابتاً ثم نسخ، إلا أن التزام القوم بالنسخ من غير أن يدل عليه دليل غير جائز، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى :{وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً﴾ ﴿التوبة : ١٢٢ ] والقول بالنسخ غير جائز على ما بيناه، والإجماع اليوم منعقد على أنه من فروض الكفايات، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين فإنه يتعين الجهاد حينئذ على الكل والله أعلم. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٢٢ ـ ٢٣﴾
قال الخازن :
اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ثلاثة أقوال : أحدها أنها محكمة ناسخة للعفو عن المشركين. القول الثاني : إنها منسوخة لأن فيها وجوب الجهاد على الكافة ثم نسخ بقوله تعالى :﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة﴾ القول الثالث : إنها ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه فالناسخ منها إيجاب الجهاد مع المشركين بعد المنع منه، والمنسوخ إيجاب الجهاد على الكافة. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ٢٠٤﴾


الصفحة التالية
Icon