وإنما اختير طريق الإبدال هنا وكان مقتضى الظاهر أن يقال : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام لأَجل الاهتمام بالشهر الحرام تنبيهاً على أن السؤال لأجل الشهر أيقع فيه قتال ؟ لاَ لأَجل القتال هل يقع في الشهر وهما متآيلان، لكن التقديم لقضاء حق الاهتمام، وهذه نكتة لإبدال عطفِ البيان تنفع في مواقع كثيرة، على أن في طريق بدل الاشتمال تشويقاً بارتكاب الإجمال ثم التفصيل. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٢٥﴾
سؤال : فإن قيل : لم نكر القتال في قوله تعالى :﴿قِتَالٌ فِيهِ﴾ ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجيء باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول، لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور الثاني غير الأول كما في قوله تعالى :﴿إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً﴾ ﴿الشرح : ٦ ].
قلنا : نعم ما ذكرتم أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني إذن غير الأول والقوم أرادوا بقولهم :{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ﴾
ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله بن جحش، فقال تعالى :﴿قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيراً ليس هو هذا القتال الذي سألتم عنه، بل هو قتال آخر لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإسلام وإذلال الكفر فكيف يكون هذا من الكبائر، إنما القتال الكبير هو الذي يكون الغرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة إلا أنه تعالى ما صرح بهذا الكلام لئلا تضيق قلوبهم بل أبهم الكلام بحيث يكون ظاهره كالموهم لما أرادوه، وباطنه يكون موافقاً للحق، وهذا إنما حصل بأن ذكر هذين اللفظين على سبيل التنكير، ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة الجليلة، فسبحان من له تحت كل كلمة من كلمات هذا الكتاب سر لطيف لا يهتدي إليه إلا أولوا الألباب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٢٧ ـ ٢٨﴾
وقال ابن عاشور :


الصفحة التالية
Icon