للنحويين في هذه الآية وجوه الأول : قول البصريين وهو الذي اختاره الزجاج، أن قوله :﴿وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ الله وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾ كلها مرفوعة بالابتداء، وخبرها قوله :﴿أَكْبَرُ عِندَ الله﴾ والمعنى : أن القتال الذي سألتم عنه، وإن كان كبيراً، إلا أن هذه الأشياء أكبر منه، فإذا لم تمتنعوا عنها في الشهر الحرام، فكيف تعيبون عبد الله بن جحش على ذلك القتال مع أن له فيه عذراً ظاهراً، فإنه كان يجوز أن يكون ذلك القتل واقعاً في جمادى الآخرة، ونظيره قوله تعالى لبني إسرائيل :﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنسَوْنَ أنفسكم﴾ ﴿البقرة : ٤٤ ]، {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾
[ الصف : ٢ ] وهذا وجه ظاهر، إلا أنهم اختلفوا في الجر في قوله :﴿والمسجد الحرام﴾ وذكروا فيه وجهين أحدهما : أنه عطف على الهاء في به والثاني : وهو قول الأكثرين : أنه عطف على ﴿سَبِيلِ الله﴾ قالوا : وهو متأكد بقوله تعالى :﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والمسجد الحرام﴾ {الحج : ٢٥ ].
واعترضوا على الوجه الأول بأنه لا يجوز العطف على الضمير، فإنه لا يقال : مررت به وعمرو، وعلى الثاني بأن على هذا الوجه يكون تقدير الآية : صد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، فقوله : عن المسجد الحرام صلة للصد، والصلة والموصول في حكم الشيء الواحد، فإيقاع الأجنبي بينهما لا يكون جائزاً.


الصفحة التالية
Icon