كلام نفيس لأبى حيان فى الآية الكريمة
قال رحمه الله :
وقد احتوت هذه الجملة على ثلاثة أوصاف، وجاءت مرتبة بحسب الوقائع والواقع، لأن الإِيمان أولها، ثم المهاجرة، ثم الجهاد في سبيل الله. ولما كان الإِيمان هو الأصل أفرد به موصول وحده، ولما كانت الهجرة والجهاد فرعين عنه أفردا بموصول واحد، لأنهما من حيث الفرعية كالشيء الواحد. وأتى خبر : إن، جملة مصدرة : بأولئك، لأن اسم الإشارة هو المتضمن الأوصاف السابقة من الإيمان والهجرة والجهاد، وليس تكريراً لموصول بالعطف مشعراً بالمغايرة في الذوات، ولكنه تكرير بالنسبة إلى الأوصاف، والذوات هي المتصفة بالأوصاف الثلاثة، فهي ترجع لمعنى عطف الصفة بعضها على بعض للمغايرة، لا : إن الذين آمنوا، صنف وحده مغاير : للذين هاجروا وجاهدوا، وأتى بلفظة : يرجون، لأنه ما دام المرء في قيد الحياة لا يقطع أنه صائر إلى الجنة، ولو أطاع أقصى الطاعة، إذ لا يعلم بما يختم له، ولا يتكل على عمله، لأنه لا يعلم أَقُبِل أم لا ؟ وأيضاً فلأن المذكورة في الأية ثلاثة أوصاف، ولا بدّ مع ذلك من سائر الأعمال، وهو يرجو أن يوفقه الله لها كما وفقه لهذه الثلاثة، فلذلك قال : فأولئك يرجون، أو يكون ذكر الرجاء لما يتوهمون أنهم ما وفوا حق نصرة الله في الجهاد، ولا قضوا ما لزمهم من ذلك، فهم يقدمون على الله مع الخوف والرجاء، كما قال تعالى :﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ﴾
وروي عن قتادة أنه قال : هو لأخيار هذه الأمة، ثم جعلهم الله أهل رجاء، كما يسمعون، وقيل : الرجاء دخل هنا في كمية الثواب ووقته، لا في أصل الثواب، إذا هو مقطوع متيقن بالوعد الصادق. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ١٦١﴾
قوله تعالى :﴿أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ الله ﴾
قال ابن عاشور :