فالخوف والرجاء قائدان وسائقان يبعثان الناس على العمل، فما لا يبعث على العمل فهو تمن وغرور. ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم وسبب إقبالهم على الدنيا وسبب إعراضهم عن الله تعالى وإهمالهم السعي للآخرة، فذلك غرور فقد أخبر ـ ﷺ ـ وذكر أن الغرور سيغلب على قلوب آخر هذه الأمة وقد كان ما وعد به ـ ﷺ ـ فقد كان الناس في الأعصار الأول يواظبون على العبادات ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يخافون على أنفسهم وهم طول الليل والنهار في طاعة الله يبالغون في التقوى والحذر من الشبهات والشهوات ويبكون على أنفسهم في الخلوات. وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين مع إكبابهم على المعاصي وانهماكهم في الدنيا وإعراضهم عن الله تعالى، زاعمين أنهم واثقون بكرم الله تعالى وفضله، راجون لعفوه ومغفرته، كأنهم يزعمون أنهم عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء والصحابة والسلف الصالحون. فإن كان هذا الأمر يدرك بالمنى وينال بالهوينى فعلام إذن كان بكاء أولئك وخوفهم وحزنهم ؟ وقد ذكرنا تحقيق هذه الأمور في كتاب الخوف والرجاء وقد قال رسول الله ـ ﷺ ـ فيما رواه معقل بن يسار " يأتى على الناس زمان يخلق فيه القرآن في قلوب الرجال كما تخلق الثياب على الأبدان أمرهم كله يكون طمعاً لا خوف معه، إن أحسن أحدهم قال : يتقبل مني، وإن أساء قال : يغفر لي فأخبر أنهم يضعون الطمع موضع الخوف لجهلهم بتخويفات القرآن وما فيه. وبمثله أخبر عن النصارى إذ قال تعالى " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا " ومعناه أنهم " ورثوا الكتاب " أي هم علماء " ويأخذون عرض هذا الأدنى " أي شهواتهم من الدنيا حراماً كان أو حلالاً. وقد قال تعالى " ولمن خاف مقام ربه جنتان - ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعبد " والقرآن من أوله إلى آخره تحذير وتخويف، لا يتفكر فيه متفكر إلا


الصفحة التالية
Icon