ويطول حزنه ويعظم خوفه إن كان مؤمناً بما فيه. وترى الناس يهذونه هذا، يخرجون الحروف من مخارجها ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها وكأنهم يقرؤون شعراً من أشعار العرب لا يهمهم الالتفات إلى معانيه والعمل بما فيه وهل في العالم غرور يزيد على هذا ؟ فهذه أمثلة الغرور بالله وبيان الفرق وبين الرجاء والغرور، ويقرب منه غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلا أن معاصيهم أكثر، وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أنهم تترجح كفة حسناتهم مع أن ما في كفة السيئات أكثر، وهذا غاية الجهل فترى الواحد يتصدق بدراهم معدودة من الحلال والحرام ويكون ما يتناول من أموال المسلمين والشبهات أضعافه، ولعل ما تصدق به من أموال المسلمين! وهو يتكل عليه ويظن أن أكل ألف درهم حرام يقاومه التصدق بعشرة من الحرام أو الحلال، وما هو إلا كمن وضع عشرة دراهم في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى ألفاً وأراد أن يرفع الكفة الثقيلة بالكفة الخفيفة وذلك غاية جهله. نعم ومنهم من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه لأنه لا يحاسب نفسه ولا يتفقد معاصيه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم ويتكلم بما لا يرضاه الله طول النهار من غير حصر وعدد، ويكون نظره إلى عدد سبحته أنه استغفر الله مائة مرة وغفل عن هذيانه طول نهاره الذي لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة أو ألف مرة، وقد كتبه الكرام الكاتبون وقد أوعده الله بالعقاب على كل كلمة فقال " وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " فهذا أبداً يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذابين والنمامين والمنافقين، يظهرون من الكلام ما لا يضمرونه إلى غير ذلك من آفات اللسان. وذلك محض الغرور. ولعمري لو كان الكرام الكاتبون يطلبون منه أجرة النسخ لما يتكبونه من هذيانه الذي زاد على تسبيحه لكان عند ذلك يكف لسانه حتى عن جملة منن


الصفحة التالية
Icon