" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
" أَمْ " هذه فيها أربعة أقوالٍ :
الأول : أنْ تكون منقطعةً فتتقدَّر بـ " بل " والهمزة.
ف " بل " لإضراب انتقالٍ من إِخْبَارٍ إلى إِخْبَارٍٍ، والهمزةُ للتقري.
والتقدير بل حسبتم.
والثاني : أنها لمجرد الإضراب مِنْ غير تقدير همزة بعدها، وهو قول الزَّجَّاج وأنشد :[ الطويل ]
١٠٣٨ - بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشِّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى...
وَصُوَرتِهَا أَمْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
أي : بل أنت.
والثالث : وهو قول الفرَّاء وبعض الكُوفيِّين، أنها بمعنى الهمزة.
فعلى هذا يُبتدأُ بها في أوَّل الكلام، ولا تحتاجُ إلى الجملة قبلها يضرب عنها.
الرابع : أنها مُتَّصلةٌ، ولا يستقيم ذلك إلا بتقدير جملةٍ محذوفةٍ قبلها.
قال القفَّال :" أمْ " هنا استفهامٌ متوسطٌ ؛ كما أَنَّ " هَلْ " استفهامٌ سابقٌ، فيجوز أَنْ يقال : هل عندك رجلٌ، أَمْ عندك امرأَةٌ ؟ ولا يجوز أَنْ يقال ابتداءً أَمْ عندك رجل، فأَمَّا إذا كان متوسطاً، جاز سواءٌ كان مسبُوقاً باستفهامٍ آخر، أو لا يكون، أَمَّا إذا كان مسبوقاً باستفهام آخر فهو كقولك : أنت رجلٌ لا تنصف، أفعن جهل تفعلُ هذا، أم لك سلطانٌ ؟ وأَمَّا الذي لا يكون مسبوقاً بالاستفهام ؛ فكقوله :﴿ الم تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ [ السجدة : ١ - ٣ ] فكذا تقدير هذا الآية : فهدى اللَّهُ الذين آمنوا فصبروا على استهزَاءِ قومهم، أفتسلكُون سبيلهم أم تحسبون أَنْ تدخُلُوا الجنَّةَ مِنْ غيرِ سلوكِ سبيلهم.


الصفحة التالية
Icon