عليه وسلم فتبديلها تحريفها وإدخال الشبه فيها.
وقيل : المراد بنعمة الله ما آتاهم من أسباب الصحة والأمن والكفاية، فتبديلها أنهم لم يجعلوها واسطة الطاعة والقيام بما عليهم من التكاليف، بل استعملوها في غير ما أوتيت هي لأجله. وعلى هذا فقوله ﴿ من بعد ما جاءته ﴾ معناه ظاهر، وأما على القول الأول وهو أن المراد من النعمة لآيات فمعنى مجيئها التمكن من معرفتها أو عرفانها كقوله ﴿ ثم يحرفونه من بعدما عقلوه ﴾ [ البقرة : ٧٥ ] لأنه إذا لم يتمكن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنها غائبة. ﴿ فإن الله شديد العقاب ﴾ قال الواحدي : الرابطة محذوفة أي له. والتحقيق أن ترك هذا الإضمار أولى فإنه إذا علم كونه تعالى موصوفاً بهذا الوصف لزم من ذلك أنه يعاقب المبدل إن شاء، ولكن لا يلزم من كونه شديد العقاب للمبدّل كونه متصفاً بذلك وصفاً ذاتياً. ثم قال الواحدي. والعقاب عذاب يعقب الجرم. ثم إنه تعالى ذكر السبب الذي لأجله كان التبديل سيرتهم فقال :﴿ زين للذين كفروا ﴾ الآية. والغرض تعريف المؤمنين ضعف عقول الكفار في ترجيح الفاني من زينة الدنيا على الباقي من نعيم الآخرة، والتذكير في زين إما لأن الحياة والإحياء واحد، أو للفصل مع أن التأنيث ليس بحقيقي. عن ابن عباس أن الآية نزلت في أبي جهل وأضرابه من كبار قريش. وقيل : رؤساء اليهود وعلمائهم. وعن مقاتل : نزلت في المنافقين. ولا مانع من نزولها في جميعهم لأن كلهم وهم في التنعم والراحة كانوا يسخرون من فقراء المؤمنين والمهاجرين. ثم المزين من هو؟ فعن المعتزلة أنهم غواة الجن والإنس قبحوا أمر الآخرة في أعين الكفار وأوهموا أن لا صحة لها فلا تنغصوا عيشكم في الدنيا كقول من قال :
أتترك لذة الصهباء نقداً | بما وعدوك من لبن وخمر؟ |