" فلان ينفق بالحساب " إذا كان لا يزيد على قدر الكفاية. أو أنه لا يخاف نفاد ما عنده فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه.
قوله سبحانه ﴿ كان الناس أمة واحدة ﴾ الآية. فيه إشارة إلى أن التباغي والتحاسد والتنازع في طلب الدنيا وطيباتها لا يختص بهذا الزمان، وإنما ذلك داء قديم في الإنسان. ثم الأمة الواحدة كانوا على الحق أو على الباطل فيه للمفسرين أقوال :
الأول : أنهم كانوا على الحق واختاره المحققون لوجوه منها : قوله تعالى ﴿ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ﴾ وهذا يدل على أن النبيين عليهم السلام بعثوا حين الاختلاف وصيرورة بعضهم مبطلاً، ولو كانوا قبل ذلك مجتمعين على الكفر لكان بعث الأنبياء إليهم حينئذ أولى.
ومنها النقل المتواتر إن آدم وأولاده كانوا مسلمين مطيعين لله تعالى إلى أن قتل قابيل هابيل حسداً وبغياً. وعن ابن عباس أنه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق. ومنها أن وقت الطوفان لم يبق إلا أهل السفينة وكلهم كانوا على الحق والدين الصحيح، فلعل الناس إشارة إليهم. ومنها أن الدين الحق يتوقف على النظر، والنظريات مستندة بالآخرة إلى مقدمات تعلم صحتها بضرورة العقل وإلى ترتيب. كذلك فالعقل السليم لا يغلط لو لم يعرض له سبب من خارج، فالصواب له بالذات و الخطأ بالعرض وما بالذات أقدم مما بالعرض بحسب الاستحقاق وبحسب الزمان أيضاً. فالأولى أن يقال : كان الناس على الحق ثم اختلفوا لأسباب خارجة كالبغي والحسد ويؤيده قوله ﷺ " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه وينصرانه ويمجسانه ".


الصفحة التالية
Icon