القول الثاني : وهو مروي عن ابن عباس والحسن وعطاء أنهم كانوا على الباطل لأن بعثة الأنبياء مترتبة على ذلك، ولو كانوا على الحق لم يحتج إلى بعثتهم. ولو قيل : إن تقدير الآية فاختلفوا فبعث الله كما قرأ به ابن مسعود، فالأصل عدم الإضمار، والقراءة الشاذة لا يعتد بها. ومتى كان الناس متفقين على الكفر؟ قالوا : من وفاة آدم إلى زمان نوح عليه السلام. كانوا كفاراً بحكم الأغلب وإن كان فيهم بعض المسلمين كهابيل وشيث وإدريس عليهم السلام كما يقال : دار الكفر وإن كان فيها مسلمون.
القول الثالث : عن أبي مسلم والقاضي أبي بكر أنهم كانوا أمة واحدة في التمسك بالشرائع العقلية وهي الاعتراف بوجود الصانع وصفاته والاشتغال بخدمته وشكر نعمته والاجتناب عن القبائح العقلية كالظلم والكذب والعبث. واحتجا بأن لفظ النبيين جمع معرف فيفيد العموم، والفاء توجب التعقيب فيعلم من ذلك أن تلك الواحدة متقدمة على جميع الشرائع، فلا تكون الاستفادة من العقل، ثم سأل القاضي نفسه فقال : أوليس أول الناس آدم وأنه كان نبياً مبعوثاً؟ وأجاب بأنه يحتمل أن يكون مع أولاده متمسكين بالشرائع العقلية أولاً، ثم إن الله تعالى بعثه إلى أولاده. ويحتمل أن شريعته قد صارت مندرسة ثم رجع الناس إلى الشرائع العقلية.
القول الرابع : التوقف فلا دلالة في الآية على أنهم كانوا محقين أو مبطلين.
القول الخامس : أن المراد من الناس أهل الكتاب الذين آمنوا بموسى عليه السلام ثم اختلفوا بسبب البغي والحسد فبعث الله النبيين ومعهم الكتب كما بعث داود ومعه الزبور وعيسى ومعه الإنجيل ومحمداً ﷺ ومعه الفرقان لتكون تلك الكتب حاكمة في تلك الأشياء التي اختلفوا فيها. وهذا القول يوافق قول من قال : إن الخطاب في ﴿ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم ﴾ لأهل الكتب. فيراد بالناس إذن ناس معهودون.