النوع الخامس : من الحجة أن الله علل تحريم الخمر بقوله تعالى :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء فِى الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة﴾ [ المائدة : ٩١ ] ولا شك أن هذه الأفعال معللة بالسكر، وهذا التعليل يقيني، فعلى هذا تكون هذه الآية نصاً في أن حرمة الخمر معللة بكونها مسكرة، فإما أن يجب القطع بأن كل مسكر خمر، وإن لم يكن كذلك فلا بد من ثبوت هذا الحكم في كل مسكر، وكل من أنصف وترك العناد، علم أن هذه الوجوه ظاهرة جلية في إثبات هذا المطلوب حجة أبي حنيفة رحمه الله من وجوه أحدها : قوله تعالى :﴿وَمِن ثمرات النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [ النحل : ٦٧ ] من الله تعالى علينا باتخاذ السكر والرزق الحسن، وما نحن فيه سكر ورزق حسن، فوجب أن يكون مباحاً لأن المنة لا تكون إلا بالمباح.
والحجة الثانية : ما روى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام أتى السقاية عام حجة الوداع فاستند إليها، وقال : اسقوني، فقال العباس : ألا أسقيك مما ننبذه في بيوتنا ؟ فقال : ما تسقي الناس، فجاءه بقدح من نبيذ فشمه، فقطب وجهه ورده، فقال العباس : يا رسول الله أفسدت على أهل مكة شرابهم، فقال : ردوا علي القدح، فردوه عليه، فدعا بماء من زمزم وصب عليه وشرب، وقال : إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا متنها بالماء.
وجه الاستدلال به أن التقطيب لا يكون إلا من الشديد، ولأن المزج بالماء كان لقطع الشدة بالنص، ولأن اغتلام الشراب شدته، كاغتلام البعير سكره.
الحجة الثالثة : التمسك بآثار الصحابة.