والجواب عنه من وجوه أحدها : أنه حصل في الآية ما يكون جواباً عن السؤال وضم إليه زيادة بها يكمل ذلك المقصود، وذلك لأن قوله :﴿مَا أَنفَقْتُم مّنْ خَيْرٍ﴾ جواب عن السؤال، ثم إن ذلك الإنفاق لا يكمل إلا إذا كان مصروفاً إلى جهة الإستحقاق، فلهذا لما ذكر الله تعالى الجواب أردفه بذكر المصرف تكميلاً للبيان وثانيها : قال القفال : إنه وإن كان السؤال وارداً بلفظ ﴿مَا﴾ إلا أن المقصود : السؤال عن الكيفية لأنهم كانوا عالمين أن الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى، وإذا كان هذا معلوماً لم ينصرف الوهم إلى أن ذلك المال أي شيء هو ؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مراداً تعين أن المطلوب بالسؤال أن مصرفه أي شيء هو ؟ وحينئذ يكون الجواب مطابقاً للسؤال، ونظيره قوله تعالى :﴿قَالُواْ ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البقر تشابه عَلَيْنَا...
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ﴾
﴿البقرة : ٧٠، ٧١ ] وإنما كان هذا الجواب موافقاً لذلك السؤال، لأنه كان من المعلوم أن البقرة هي البهيمة التي شأنها وصفتها كذا، فقوله :{مَا هِىَ﴾ لا يمكن حمله على طلب الماهية، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها، فبهذا الطريق قلنا : إن ذلك الجواب مطابق لذلك السؤال، فكذا ههنا لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو، وجب أن يقطع بأن مرادهم من قولهم :﴿مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ ليس هو طلب الماهية، بل طلب المصرف فلهذا حسن الجواب


الصفحة التالية