ولما كان هذا أمراً لا يكون في بابه أمر أصلح منه ولا أيسر منّ عليهم بشرعه في قوله :﴿ولو شاء الله﴾ أي بعظمة كماله ﴿لأعنتكم﴾ أي كلفكم في أمرهم وغيره ما يشق عليكم مشقة لا تطاق فحد لكم حدوداً وعينها يصعب لوقوف عندها وألزمكم لوازم يعسر تعاطيها، من الإعنات وهو إيقاع العنت وهو أسوأ الهلاك الذي يفحش نعته - قاله الحرالي. ثم علل ذلك بقوله :﴿إن الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿عزيز﴾ يقدر على ما يريد ﴿حكيم ﴾ يحكمه بحيث لا يقدر أحد على نقض شيء منه. ولما ذكر تعالى فيما مر حلّ الجماع في ليل الصيام وأتبع ذلك من أمره ما أراد إلى أن ذكر المخالطة على وجه يشمل النكاح في سياق مانع مع الفساد داع إلى الصلاح وختم بوصف الحكمة ولما كان النكاح من معظم المخالطة في النفقة وغيرها وكان الإنسان جهولاً تولى سبحانه وتعالى بحكمته تعريفه ما يصلح له وما لا يصلح من ذلك، وأخر أمر النكاح عن بيان ما ذكر معه من الأكل والشرب في ليل الصيام لأن الضرورة إليهما أعظم، وقدمه في آية الصيام لأن النفس إليه أميل فقال عاطفاً على ما دل العطف على غير مذكور على أن تقديره : فخالطوهم وأنكحوا من تلونه من اليتيمات على وجه الإصلاح إن أردتم ﴿ولا تنكحوا﴾ قال الحرالي : مما منه النكاح وهو إيلاج نهد في فرج ليصيرا بذلك كالشيء الواحد - انتهى. وهذا أصله لغة، والمراد هنا العقد لأنه استعمل في العقد في الشرع وكثر استعماله فيه وغلب حتى صار حقيقة شرعية فهو في الشرع حقيقة في العقد مجاز في الجماع وفي اللغة بالعكس وسيأتي عند ﴿حتى تنكح زوجاً غيره﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] عن الفارسي قرينة يعرف بها مراد أهل اللغة ﴿المشركات﴾ أي الوثنيات، والأكثر على أن الكتابيات مما شملته الآية ثم خصت بآية ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ [ المائدة : ٥ ] ﴿حتى يؤمن﴾ فإن المشركات شر محض ﴿ولأمة﴾ رقيقة ﴿مؤمنة﴾ لأن نفع الإيمان أمر ديني يرجع إلى


الصفحة التالية
Icon