كان المسلمون أيام نزول هذه السورة ما زالوا مختلطين مع المشركين بالمدينة وما هم ببعيد عن أقربائهم من أهل مكة فربما رغب بعضهم في تزوج المشركات أو رغب بعض المشركين في تزوج نساء مسلمات فبين الله الحكم في هذه الأحوال، وقد أوقع هذا البيان بحكمته في أرشق موقعه وأسعده به وهو موقع تعقيب حكم مخالطة اليتامى، فإن للمسلمين يومئذٍ أقاربَ وموالي لم يزالوا مشركين ومنهم يتامى فقَدوا آباءهم في يوم بدر وما بعده فلما ذكر الله بيان مخالطة اليتامى، وكانت المصاهرة من أعظم أحوال المخالطة تطلعت النفوس إلى حكم هاته المصاهرة بالنسبة للمشركات والمشركين، فعطف حكم ذلك على حكم اليتامى لهاته المناسبة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٥٩﴾
قال الفخر :
الحكم السادس
فيما يتعلق بالنكاح
اعلم أن هذه الآية نظير قوله :﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر﴾ [ الممتحنة : ١٠ ] وقرىء بضم التاء، أي لا تزوجوهن وعلى هذه القراءة لا يزوجونهن.
واعلم أن المفسرين اختلفوا في أن هذه الآية ابتداء حكم وشرع، أو هو متعلق بما تقدم، فالأكثرون على أنه ابتداء شرع في بيان ما يحل ويحرم، وقال أبو مسلم : بل هو متعلق بقصة اليتامى، فإنه تعالى لما قال :﴿وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فإخوانكم﴾ [ البقرة : ٢٢٠ ] وأراد مخالطة النكاح عطف عليه ما يبعث على الرغبة في اليتامى، وأن ذلك أولى مما كانوا يتعاطون من الرغبة في المشركات، وبين أن أمة مؤمنة خير من مشركة وإن بلغت النهاية فيما يقتضي الرغبة فيها، ليدل بذلك على ما يبعث على التزوج باليتامى، وعلى تزويج الأيتام عند البلوغ ليكون ذلك داعية لما أمر به من النظر في صلاحهم وصلاح أموالهم، وعلى الوجهين فحكم الآية لا يختلف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٤٧﴾
سبب نزول الآية


الصفحة التالية
Icon