وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ :" نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا " ويدل عليه أيضاً الخبر المشهور، وهو ما روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال في المجوس :" سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم " ولو لم يكن نكاح نسائهم جائزاً لكان هذا الإستثناء عبثاً، واحتج القائلون بأنه لا يجوز بأمور أولها : أن لفظ المشرك يتناول الكتابية على ما بيناه فقوله :﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ﴾ صريح في تحريم نكاح الكتابية، والتخصيص والنسخ خلاف الظاهر، فوجب المصير إليه، ثم قالوا : وفي الآية ما يدل على تأكيد ما ذكرناه وذلك لأنه تعالى قال في آخر الآية :﴿أولئك يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ والوصف إذا ذكر عقيب الحكم، وكان الوصف مناسباً للحكم فالظاهر أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم فكأنه تعالى قال : حرمت عليكم نكاح المشركات لأنهن يدعون إلى النار وهذه العلة قائمة في الكتابية، فوجب القطع بكونها محرمة.
والحجة الثانية : لهم : أن ابن عمر سئل عن هذه المسألة فتلا آية التحريم وآية التحليل، ووجه الاستدلال أن الأصل في الإبضاع الحرمة، فلما تعارض دليل الحرمة تساقطا، فوجب بقاء، حكم الأصل، وبهذا الطريق لما سئل عثمان عن الجمع بين الأختين في ملك اليمين، فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية، فحكمتم عند ذلك بالتحريم للسبب الذي ذكرناه فكذا ههنا.
الحجة الثالثة : لهم : حكى محمد بن جرير الطبري في " تفسيره" عن ابن عباس تحريم أصناف النساء إلا المؤمنات، واحتج بقوله تعالى :﴿وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [ المائدة : ٥ ] وإذا كان كذلك كانت كالمرتدة في أنه لا يجوز إيراد العقد عليها.


الصفحة التالية
Icon