" فوائد لغوية "
قال ابن عاشور :
والأَيمان جمع يمين وهو الحلف سمي الحلف يميناً أخذاً من اليمين التي هي إحدى اليدين وهي اليد التي يفعل بها الإنسان معظم أفعاله، وهي اشتقت من اليمن وهو البركة، لأن اليد اليمنى يتيسر بها الفعل أحسن من اليد الأخرى، وسمي الحلف يميناً لأن العرب كان من عادتهم إذا تحالفوا أن يمسك المتحالفان أحدهما باليد اليمنى من الآخر قال تعالى :﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم﴾ [ الفتح : ١٠ ] فكانوا يقولون أعطى يمينه، إذا أكد العهد.
وشاع ذلك في كلامهم قال كعب بن زهير :
حتى وضعت يمينى لا أنازعه
في كف ذي يسرات قيله القيل...
ثم اختصروا فقالوا صدرت منه يمين أو حلف يميناً، فتسمية الحلف يميناً من تسمية الشيء باسم مقارنه الملازم له، أو من تسمية الشيء باسم مكانه ؛ كما سَمَّوا الماء وادياً وإنما المحل في هذه التسمية على هذا الوجه محل تخييلي.
ولما كان غالب أَيمانهم في العهود والحلف، وهو الذي يضع فيه المتعاهدون أيديهم بعضَها في بعض، شاع إطلاق اليمين على كل حَلِف، جرياً على غالب الأحوال ؛ فأطلقت اليمين على قَسم المرء في خاصة نفسه دون عهد ولا حلف.
والقصد من الحَلِف يرجع إلى قصد أن يشهد الإنسان اللَّهَ تعالى على صدقه في خبر أو وعد أو تعليق، ولذلك يقوله :﴿بالله﴾ أي أخبر متلبساً بإشهاد الله، أو أعد أو أُعلِّق متلبساً بإشهاد الله على تحقيق ذلك، فمِن أجْل ذلك تضمن اليمين معنى قوياً في الصدق، لأن من أشهد بالله على باطل فقد اجترأَ عليه واستخف به، ومما يدل على أن أصل اليمين إشْهاد اللَّهِ، قوله تعالى :﴿ويشهد الله على ما في قلبه﴾ [ البقرة : ٢٠٤ ] كما تقدم، وقول العرب يَعْلم الله في مقام الحلف المغلظ، ولأجله كانت الباء هي أصل حروف القسم لدلالتها على الملابسة في أصل معانيها، وكانت الواو والتاء لاحقتين بها في القسم الإنشائي دون الاستعطافي.