أقول : قد أجمل كلام الله تعالى هنا، وأبهم وبين المبهمات بمبهمات من جهة أخرى لاحتمال ﴿أمركم الله﴾ معاني ليس معنى الإيجاب والتشريع منها، إذ لم يعهد سبق تشريع من الله في هذا كما قدمناه، ثم أتبع بقوله :﴿يحب التوابين﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] فربما أشعر بأن فعلاً في هذا البيان كان يرتكب والله يدعو إلى الانكفاف عنه وأتبع بقوله :﴿ويحب المتطهرين﴾ فأشعر بأن فعلاً في هذا الشأن قد يلتبس بغيرِ التنزه والله يحب التنزه عنه، مع احتمال المحبة عنه لمعنى التفضيل والتكرمة مثل ﴿يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين﴾ [ التوبة : ١٠٨ ]، واحتمالها لمعنى : ويبغض غير ذلك، ثم جاء ما هو كالدليل وهو قوله :﴿نساؤكم حرث لكم﴾ فجعلن حرثاً على احتمال وجوه في الشبه ؛ فقد يقال : إنه وكل للمعروف، وقد يقال : إنه جعل شائعاً في المرأة، فلذلك نيط الحكم بذات النساء كلها، ثم قال :﴿فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾ فجاء بأنى المحتملة للكيفيات وللأمكنة وهي أصل في الأمكنة ووردت في الكيفيات، وقد قيل : إنها ترد للأزمنة فاحتمل كونها أمكنة الوصول من هذا الإتيان، أو أمكنة الورود إلى مكان آخر مقصود فهي أمكنة ابتداء الإتيان أو أمكنة الاستقرار فأُجمِل في هذا كله إجمال بديع وأثنى ثناء حسن.
واختلاف محامل الآية في أنظار المفسرين والفقهاء طوعُ علم المتأمل. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٣٧٣ ـ ٣٧٤﴾

فصل


قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon