قوله تعالى :﴿والله غَفُورٌ حليم﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿والله غَفُورٌ حليم﴾ فقد علمت أن : الغفور، مبالغة في ستر الذنوب، وفي إسقاط عقوبتها، وأما : الحليم، فاعلم أن الحلم في كلام العرب الأناة والسكون، يقال : ضع الهودج على أحلم الجمال، أي على أشدها تؤدة في السير، ومنه الحلم لأنه يرى في حال السكون، وحلمة الثدي، ومعنى : الحليم، في صفة الله : الذي لا يعجل بالعقوبة، بل يؤخر عقوبة الكفار والفجار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٦٨﴾
وقال أبو حيان :
﴿والله غفور حليم﴾ جاءت هاتان الصفتان تدلان على توسعة الله على عباده حيث لم يؤاخذهم باللغو في الأيمان، وفي تعقيب الآية بهما إشعار بالغفران، والحلم عن من أوعده تعالى بالمؤاخذة، وإطماع في سعة رحمته، لأن من وصف نفسه بكثرة الغفران والصفح مطموع في ما وصف به نفسه، فهذا الوعيد الذي ذكره تعالى مقيد بالمشيئة، كسائر وعيده تعالى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ١٩١﴾
وقال الخازن :
﴿والله غفور﴾ يعني لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر أنه لا يؤاخذكم عليها، ولو شاء آخذهم وألزمهم للكفارة في العاجل والعقوبة عليها في الآجل ﴿حليم﴾ يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة، قال الحليمي في معنى الحليم : إنه الذي لا يحبس إنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع ويبقيه وهو منهمك في معاصيه كما يبقى البر المتقي وقد يقيه الآفات والبلايا، وهو غافل لا يذكره فضلاً عن أن يدعوه كما يقيها الناسك الذي يدعوه ويسأله، وقال أبو سليمان الخطابي : الحليم ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحليم، إنما الحليم الصفوح مع القدرة على الانتقام المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ٢٢٢﴾


الصفحة التالية
Icon