وكان الاعتناء بذكر ما للنساء من الحقوق على الرجال، وتشبيهه بما للرجال على النساء ؛ لأن حقوق الرجال على النساء مشهورة، مسلمة من أقدم عصور البشر، فأما حقوق النساء فلم تكن مما يلتفت إليه أو كانت متهاوناً بها، وموكولة إلى مقدار حظوة المرأة عند زوجها، حتى جاء الإسلام فأقامها.
وأعظم ما أُسِّست به هو ما جمعته هذه الآية.
وتقديم الظرف للاهتمام بالخبر ؛ لأنه من الأخبار التي لا يتوقعها السامعون، فقدم ليصغى السامعون إلى المسند إليه، بخلاف ما لو أُخر فقيل : ومثل الذي عليهن لهن بالمعروف، وفي هذا إعلان لحقوق النساء، وإصداع بها وإشادة بذكرها، ومثل ذلك من شأنه أن يُتلقى بالاستغراب، فلذلك كان محل الاهتمام.
ذلك أن حال المرأة إزاء الرجل في الجاهلية، كانت زوجة أم غيرها، هي حالة كانت مختلطة بين مظهر كرامة وتنافس عند الرغبة، ومظهر استخفاف وقلة إنصاف، عند الغضب، فأما الأول فناشىء عما جبل عليه العربي من الميل إلى المرأة وصدق المحبة، فكانت المرأة مطمح نظر الرجل، ومحل تنافسه، رغبة في الحصول عليها بوجه من وجوه المعاشرة المعروفة عندهم، وكانت الزوجة مرموقة من الزوج بعين الاعتبار والكرامة قال شاعرهم وهو مُرَّةُ بن مَحْكانَ السْعدي :
يا ربَّةَ البيتِ قومي غيرَ صاغرةٍ
ضُمِّي إليكِ رحالَ القَوْم والقِرَبا...
فسماها ربة البيت وخاطبها خطاب المتلطف حين أمَرَها فأعقب الأمر بقوله غير صاغرة.
وأما الثاني فالرجل مع ذلك يرى الزوجة مجعولة لخدمته فكان إذا غاضبها أو ناشزته، ربما أشتد معها في خشونة المعاملة، وإذا تخالف رأياهما أرغمها على متابعته، بحق أو بدونه، وكان شأن العرب في هذين المظهرين متفاوتاً بحسب تفاوتهم في الحضارة والبداوة، وتفاوت أفرادهم في الكياسة والجلافة، وتفاوت حال نسائهم في الاستسلام والإباء والشرف وخلافه.