وهذه الدرجة اقتضاها ما أودعه الله في صنف الرجال من زيادة القوة العقلية والبدنية، فإن الذكورة في الحيوان تمام في الخلقة، ولذلك نجد صنف الذكر في كل أنواع الحيوان أذكى من الأنثى، وأقوى جسماً وعزماً، وعن إرادته يكون الصدر، ما لم يعرض للخلقة عارض يوجب انحطاط بعض أفراد الصنف، وتفوق بعض أفراد الآخر نادراً، فلذلك كانت الأحكام التشريعية الإسلامية جارية على وفق النظم التكوينية، لأن واضع الأمرين واحد.
وهذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم : من الإذن بتعدد الزوجة للرجل، دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى، وذلك اقتضاه التزيد في القوة الجسمية، ووفرة عدد الإناث في مواليد البشر، ومِن جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة، والمراجعة في العدة كذلك، وذلك اقتضاه التزيد في القوة العقلية وصدق التأمل، وكذلك جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شؤون المنزل، لأن كل اجتماع يتوقع حصول تعارض المصالح فيه، يتعين أن يجعل له قاعدة في الانفصال والصدر عن رأي واحد معين من ذلك الجمع، ولما كانت الزوجية اجتماع ذاتين لزم جعل إحداهما مرجعاً عند الخلاف، ورجح جانب الرجل لأن به تأسست العائلة، ولأنه مظنة الصواب غالباً، ولذلك إذا لم يمكن التراجع، واشتد بين الزوجين النزاع، لزم تدخل القضاء في شأنهما، وترتب على ذلك بعث الحكمين كما في آية ﴿وإن خفتم شقاق بينهما﴾ [ النساء : ٣٥ ].