وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ قَدْ كَانَ شَائِعًا بَيْنَهُمْ مُسْتَفِيضًا، وَلَمْ يُنْكِرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى مُخَالِفِيهِ فِي مَقَالَتِهِ، بَلْ سَوَّغَ لَهُ الْقَوْلَ فِيهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْنِ وَتَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ.
ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ حَقِيقَةً فِيهِمَا، أَوْ مَجَازًا فِيهِمَا، أَوْ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ ؛ فَوَجَدْنَا أَهْلَ اللُّغَةِ مُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى الْقُرْءِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ : هُوَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ ؛ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَمْرِو غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ مَعْنَى الْقُرْءِ لَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى الْوَقْتِ، وَقَدْ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ : يَا رُبَّ مَوْلًى حَاسِدٍ مُبَاغِضِ عَلَيَّ ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضِ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ يَعْنِي : وَقْتًا تَهِيجُ فِيهِ عَدَاوَتُهُ.
وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا قَوْلَ الْأَعْشَى : وَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا مُوَرَّثَةٌ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا يَعْنِي : وَقْتَ وَطْئِهِنَّ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى الطُّهْرِ نَفْسِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ :
لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ طُهْرِ نِسَائِك.
وَقَالَ الشَّاعِرُ : كَرِهْت الْعَقْرَ عَقَرَ بَنِي شَلِيلٍ إذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ يَعْنِي : لِوَقْتِهَا فِي الشِّتَاءِ.