(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) الَّذِينَ إِذَا خَالَفُوا سُنَّةَ الْفِطْرَةِ بِغَلَبَةِ سُلْطَانِ الشَّهْوَةِ فَأَتَوْا نِسَاءَهُمْ فِي زَمَنِ الْمَحِيضِ أَوْ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ تَائِبِينَ وَلَا يُصِرُّونَ عَلَى فِعْلِهِمُ السَّيِّئِ (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْأَقْذَارِ، وَمِنْ إِتْيَانِ الْمُنْكَرِ، بَلْ هَؤُلَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي الدَّنَسِ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى :(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) بَيَّنَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ حُكْمَ الْمَحِيضِ، وَأَحَلَّ غِشْيَانَ النِّسَاءِ بَعْدَهُ، وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حِكْمَةَ هَذَا الْغِشْيَانِ الَّتِي شَرَعَ الزَّوَاجَ لِأَجْلِهَا، وَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَهِيَ الِاسْتِنْتَاجُ وَالِاسْتِيلَادُ; لِأَنَّ الْحَرْثَ هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي تَسْتَنْبِتُ، وَالِاسْتِيلَادُ كَالِاسْتِنْبَاتِ، وَهَذَا التَّعْبِيرُ عَلَى لُطْفِهِ وَنَزَاهَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَحَسُنِ اسْتِعَارَتِهْ تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :(فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أَوْ بَيَانٌ لَهُ، فَهُوَ يَقُولُ : إِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ الْأَمْرَ التَّكْوِينِيَّ بِمَا أَوْدَعَ فِي فِطْرَةِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الْآخَرِ،


الصفحة التالية
Icon