وَالْأَمْرُ التَّشْرِيعِيُّ بِمَا جَعَلَ الزَّوَاجَ مِنْ أَمْرِ وَأَسْبَابِ الْمَثُوبَةِ وَالْقُرْبَةِ إِلَّا لِأَجْلِ حِفْظِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ بِالِاسْتِيلَادِ، كَمَا يُحْفَظُ النَّبَاتُ بِالْحَرْثِ وَالزَّرْعِ، فَلَا تَجْعَلُوا اسْتِلْذَاذَ الْمُبَاشَرَةِ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ فَتَأْتُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ حَيْثُ لَا اسْتِعْدَادَ لِقَبُولِ زِرَاعَةِ الْوَلَدِ وَعَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَذَى، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ مَعْنَى الْحَرْثِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :(أَنَّى شِئْتُمْ) مَعْنَاهُ كَيْفَ شِئْتُمْ وَ (أَنَّى) تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى (كَيْفَ) وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى (أَيْنَ) قَلِيلًا، وَلَا يَظْهَرُ هُنَا; لِأَنَّ الْحَرْثَ لَهُ مَكَانٌ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَالْأَمْرُ مُقَيَّدٌ بِهِ; وَلِذَلِكَ أَعَادَ ذِكْرَ الْحَرْثِ مُظْهَرًا وَلَمْ يَقُلْ (فَأْتُوهُنَّ أَنَّى شِئْتُمْ) فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ شِئْتُمْ مَا دُمْتُمْ تَقْصِدُونَ بِهَا الْحَرْثَ فِي مَوْضِعِهِ الطَّبِيعِيِّ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَقْصِدُ إِلَى إِعْنَاتِكُمْ وَمَنْعِكُمْ مِنْ لَذَّاتِكُمْ، وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُوقِفَكُمْ عِنْدَ حُدُودِ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَنْفَعَةِ; كَيْلَا تَضَعُوا الْأَشْيَاءَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَتَفُوتَ الْمَنْفَعَةُ وَتَحُلَّ مَحَلَّهَا الْمَفْسَدَةُ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ مُتَمِّمَةٌ لِمَعْنَى مَا قَبْلَهَا يُغْنِينَا فِي فَهْمِهَا عَمَّا رُوِيَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ.