بِطْرِيقِ الرَّمْزِ وَالتَّلْوِيحِ لَا بِطْرِيقِ الْإِبَانَةِ وَالتَّصْرِيحِ، فَإِنَّ التَّرَبُّصَ فِي حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِ مَعْنَاهُ التَّرَيُّثُ وَالِانْتِظَارُ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ يُتَرَيَّثُ عَنْهُ، وَيُنْتَظَرُ زَوَالُ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَهُ، وَلَوْلَا كَلِمَةُ (بِأَنْفُسِهِنَّ) لَمَا أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ تِلْكَ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ، وَالْكِنَايَاتِ الرَّشِيقَةَ، وَمَا كَانَ لِيَخْطِرَ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ يُرِيدُ إِفَادَةَ حُكْمِ الْعِدَّةِ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى قَوْلِهِ :" يَتَرَبَّصْنَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ " وَلَوْ لَمْ تُزَدْ لَكَانَ الْحُكْمُ عَارِيًا عَنْ تَأْدِيبِ النَّفْسِ وَالْحُكْمِ عَلَى شُعُورِهَا وَوِجْدَانِهَا، وَلَعَلَّ الْإِرْشَادَ إِلَى مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُ النِّسَاءِ مِنْ تِلْكَ النَّزْعَةِ فِي ضِمْنِ الْإِخْبَارِ عَنْهُنَّ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِنَّ امْتِلَاكَهَا وَالتَّرَبُّصَ بِهَا اخْتِيَارًا، هُوَ أَشَدُّ فِعْلًا فِي أَنْفُسِهِنَّ وَأَقْوَى إِلْزَامًا لَهُنَّ أَنْ يَكُنَّ كَذَلِكَ طَائِعَاتٍ مُخْتَارَاتٍ، كَمَا أَنَّ فِيهِ إِكْرَامًا لَهُنَّ وَلُطْفًا بِهِنَّ، إِذْ لَمْ يُؤْمَرْنَ أَمْرًا صَرِيحًا وَهَذَا مِنَ الدَّقَائِقِ الَّتِي نَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنْ هَدَانَا إِلَى فَهْمِهَا، فَأَنَّى لِأَمْثَالِنَا مِنَ الْبَشَرِ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا ؟


الصفحة التالية
Icon