فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي أَنَّ الْهِجْرَانَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ هُوَ الْإِيلَاءُ وَالرَّابِعُ : قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إنْ هَجَرَهَا فَهُوَ إيلَاءٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلِفَ.
فَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِهَا ضِرَارًا وَبَيْنَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الضِّرَارِ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْجِمَاعَ حَقٌّ لَهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ
بِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ حَقِّهَا مِنْ الْجِمَاعِ كَانَ مُولِيًا حَتَّى تَصِلَ إلَى حَقِّهَا مِنْ الْفُرْقَةِ ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا إمْسَاكُهَا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.
وَأَمَّا إذَا قَصَدَ الصَّلَاحَ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ تَكُونَ مُرْضِعَةً فَحَلَفَ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا لِئَلَّا يَضُرَّ ذَلِكَ بِالصَّبِيِّ، فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَ حَقِّهَا وَلَا هُوَ غَيْرُ مُمْسِكٍ لَهَا بِمَعْرُوفٍ فَلَا يَلْزَمُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِيَمِينِهِ حُكْمُ الْفُرْقَةِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ اعْتَبَرَ الضِّرَارَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُذْنِبًا يَقْتَضِي الْفَيْءَ غُفْرَانُهُ.
وَهَذَا عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ مَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ شَمِلَتْ الْجَمِيعَ، وَقَاصِدُ الضَّرَرِ أَحَدُ مَنْ شَمِلَهُ الْعُمُومُ، فَرَجَعَ هَذَا الْحُكْمُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.


الصفحة التالية
Icon