وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْعَزِيمَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةُ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ، تَقُولُ :" عَزَمْت عَلَى كَذَا " أَيْ عَقَدْت قَلْبِي عَلَى فِعْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ أَوْلَى بِمَعْنَى عَزِيمَةِ الطَّلَاقِ مِنْ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَقْتَضِي إيقَاعَ طَلَاقٍ بِالْقَوْلِ إمَّا أَنْ يُوقِعَهُ الزَّوْجُ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا الْقَاضِي
عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْوَقْفِ ؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَرْكِهِ الْفَيْءَ فِيهَا أَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ إيقَاعًا مُسْتَأْنَفًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ عَزِيمَةً، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَزِيدَ فِي الْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا.
وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ :﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ اقْتَضَى ذَلِكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ مِنْ فَيْءٍ أَوْ عَزِيمَةِ طَلَاقٍ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَالْفَيْءُ إنَّمَا هُوَ مُرَادٌ فِي الْمُدَّةِ مَقْصُورُ الْحُكْم عَلَيْهَا ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ فَاءُوا ﴾ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ عَقِيبَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفَيْءَ عَقِيبَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْفَيْءَ لِمَنْ لَهُ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْفَيْءِ مَقْصُورًا عَلَى الْمُدَّةِ ثُمَّ فَاتَ بِمُضِيِّهَا وَجَبَ حُصُولُ الطَّلَاقِ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ الْفَيْءَ وَالطَّلَاقَ جَمِيعًا.