ثُمَّ قَوْلُك " إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَيْءِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْمُدَّةِ " مَعَ قَوْلِك :" إنَّ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ صَحِيحٌ كَهُوَ بَعْدَهَا تَبْطُلُ مَعَهُ عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ " مُنَاقَضَةٌ مِنْك فِي اللَّفْظِ، كَقَوْلِك : إنَّهُ مُرَادٌ فِي الْمُدَّةِ غَيْرُ مُرَادٍ فِيهَا، وَقَوْلِك " إنَّهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا عَجَّلَهُ " لَا يُزِيلُ عَنْك مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُنَاقَضَةِ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يُخْرِجُهُ التَّأْجِيلُ مِنْ حُكْمِ اللُّزُومِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ مِلْكُهُ مِنْ الْأَثْمَانِ عَلَى وَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : بِعْتُكَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَلْزَمُك إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا ؟ وَالتَّأْجِيلُ الَّذِي ذَكَرْت لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَاجِبًا مِلْكًا لِلْبَائِعِ، وَمَتَى عَجَّلَهُ وَأَسْقَطَ الْأَجَلَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ ؛ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ فَوَاتَ الْفَيْءِ يُوجِبُ الطَّلَاقَ، وَإِذَا كَانَ الْفَيْءُ مُرَادًا فِي الْمُدَّةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فَوَاتُهُ فِيهَا مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ فَاءُوا ﴾ فِيهِ ضَمِيرُ الْمُولِي الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ إيقَاعُ الْفَيْءِ عَقِيبَ الْيَمِينِ.