القول الثالث : في تفسير هذه الآية أن نقول : أنها ليست كلاماً مبتدأ، بل هي متعلقة بما قبلها، وذلك لأنه تعالى بين في الآية الأولى أن حق المراجعة ثابت للزوج ولم يذكر أن ذلك الحق ثابت دائماً أو إلى غاية معينة، فكان ذلك كالمجمل المفتقر إلى المبين، أو كالعام المفتقر إلى المخصص فبين في هذه الآية أن ذلك الطلاق الذي ثبت فيه للزوج حق الرجعة، هو أن يوجد طلقتان فقط وأما بعد الطلقتين فلا يثبت ألبتة حق الرجعة بالألف واللام في قوله : الطلاق للمعهود السابق، يعني ذلك الطلاق الذي حكمنا فيه بثبوت الرجعة هو أن يوجد مرتين، فهذا تفسير حسن مطابق لنظم الآية والذي يدل على أن هذا التفسير أولى لوجوه الأول : أن قوله :﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] إن كان لكل الأحوال فهو مفتقر إلى المخصص، وإن لم يكن عاماً فهو مجمل، لأنه ليس فيه بيان الشرط الذي عنده يثبت حق الرجعة، فيكون مفتقراً إلى البيان، فإذا جعلنا الآية الثانية متعلقة بما قبلها كان المخصص حاصلاً مع العام المخصوص، أو كان البيان حاصلاً مع المجمل، وذلك أولى من أن لا يكون كذلك، لأن تأخير البيان عن وقت الخطاب وإن كان جائزاً إلا أن الأرجح أن لا يتأخر.
الحجة الثانية : إذا جعلنا هذا الكلام مبتدأ، كان قوله :﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾ يقتضي حصر كل الطلاق في المرتين وهو باطل بالإجماع، لا يقال : إنه تعالى ذكر الطلقة الثالثة، وهو قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾ فصار تقدير الآية : الطلاق مرتان ومرة، لأنا نقول : إن قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾ متعلق بقوله :﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ لا بقوله :﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾ ولأن لفظ التسريح بالإحسان لا إشعار فيه بالطلاق، ولأنا لو جعلنا التسريح هو الطلقة الثالثة، لكان قوله فإن طلقها طلقة رابعة وإنه غير جائز.


الصفحة التالية
Icon