قوله تعالى :﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾
قال الفخر :
تقدير الآية ذلك الطلاق الذي حكمنا فيه بثبوت الرجعة للزوج، هو أن يوجد مرتان، ثم الواجب بعد هاتين المرتين إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ومعنى الإمساك بالمعروف هو أن يراجعها لا على قصد المضارة، بل على قصد الإصلاح والإنفاع، وفي معنى الآية وجهان أحدهما : أن توقع عليها الطلقة الثالثة، " روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾ قيل له ﷺ : فأين الثالثة ؟ فقال ﷺ : هو قوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾ " والثاني : أن معناه أن يترك المراجعة حتى تبين بانقضاء العدة، وهو مروي عن الضحاك والسدي.
واعلم أن هذا الوجه هو الأقرب لوجوه أحدها : أن الفاء في قوله :﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] تقتضي وقوع الطلقة متأخرة عن ذلك التسريح، فلو كان المراد بالتسريح هو الطلقة الثالثة، لكان قوله : فإن طلقها طلقة رابعة وأنه لا يجوز وثانيها : أنا لو حملنا التسريح على ترك المراجعة كانت الآية متناولة لجميع الأحوال، لأنه بعد الطلقة الثانية، إما أن يراجعها وهو المراد بقوله :﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ أو لا يراجعها بل يتركها حتى تنقضي العدة وتحصل البينونة وهو المراد بقوله :﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان﴾ أو يطلقها وهو المراد بقوله :﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ فكانت الآية مشتملة على بيان كل الأقسام، أما لو جعلنا التسريح بالإحسان طلاقاً آخر لزم ترك أحد الأقسام الثلاث، ولزم التكرير في ذكر الطلاق وأنه غير جائز وثالثها : أن ظاهر التسريح هو الإرسال والإهمال فحمل اللفظ على ترك المراجعة أولى من حمله على التطليق ورابعها : أنه قال بعد ذكر التسريح ﴿وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ والمراد به الخلع، ومعلوم أنه لا يصح الخلع بعد أن طلقها الثالثة، فهذه الوجوه ظاهرة لو لم يثبت الخبر الذي رويناه في صحة ذلك القول، فإن صح ذلك الخبر فلا مزيد عليه.