ترجم البخاريّ على هذه الآية " باب من أجاز الطلاق الثلاث بقوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وهذا إشارة منه إلى أن هذا التعديد إنما هو فُسْحَة لهم ؛ فمن ضيّق على نفسه لزمه. قال علماؤنا : واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة ؛ وهو قول جمهور السلف، وشذّ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة يقع واحدة ؛ ويروى هذا عن محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة. وقيل عنهما : لا يلزم منه شيء ؛ وهو قول مقاتل. ويحكى عن داود أنه قال لا يقع. والمشهور عن الحجاج بن أرطاة وجمهور السلف والأئمة أنه لازم واقع ثلاثاً. ولا فرق بين أن يوقع ثلاثاً مجتمعة في كلمة أو متفرّقة في كلمات ؛ فأما من ذهب إلى أنه لا يلزم منه شيء فاحتج بدليل قوله تعالى :﴿والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ]. وهذا يعُمُّ كل مطلقة إلا ما خص منه ؛ وقد تقدّم. وقال :﴿الطلاق مَرَّتَانِ﴾ والثالثة ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. ومن طلق ثلاثاً في كلمة فلا يلزم ؛ إذ هو غير مذكور في القرآن. وأما من ذهب إلى أنه واقع واحدةً فاستدل بأحاديث ثلاثةٍ : أحدها حديث ابن عباس من رواية طاوس وأبي الصَّهْباء وعكرمة. وثانيها حديث ابن عمر على رواية من روى أنه طلق امرأته ثلاثاً، وأنه عليه السلام أمره برجعتها واحتسبت له واحدة. وثالثها أن رُكَانَة طلق امرأته ثلاثاً فأمره رسول الله ﷺ برجعتها ؛ والرجعة تقتضي وقوع واحدة. والجواب عن الأحاديث ما ذكره الطحاويّ أن سعيد بن جبير ومجاهداً وعطاء وعمرو بن دينار ومالك بن الحويرث ومحمد بن إياس بن البُكَيْر والنعمان بن أبي عياش رووا عن ابن عباس فيمن طلق امرأته ثلاثاً أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته، ولا ينكحها إلا بعد زوج ؛ وفيما رواه هؤلاء الأئمة عن ابن عباس مما يوافق الجماعة ما يدل على