المسألة الثانية : اختفلوا في أن قوله تعالى :﴿إلا أن يخافا﴾ هو استثناء متصل أو منقطع، وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة فقهية، وهي أن أكثر المجتهدين قالوا : يجوز الخلع في غير حالة الخوف والغضب، وقال الأزهري والنخعي وداود : لا يباح الخلع إلا عند الغضب، والخوف من أن لا يقيما حدود الله، فإن وقع الخلع في غير هذه الحالة فالخلع فاسد وحجتهم أن هذه الآية صريحة في أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من المرأة عند طلاقها شيئاً، ثم استثنى الله حالة مخصوصة فقال :﴿إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ فكانت الآية صريحة في أنه لا يجوز الأخذ في غير حالة الخوف، وأما جمهور المجتهدين فقالوا : الخلع جائز في حالة الخوف وفي غير حالة الخوف والدليل عليه قوله تعالى :﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً﴾ [ النساء : ٤ ] فإذا جاز لها أن تهب مهرها من غير أن تحصل لنفسها شيئاً بإزاء ما بذل كان ذلك في الخلع الذي تصير بسببه مالكة لنفسها أولى، وأما كلمة ﴿إِلا﴾ فهي محمولة على الاستثناء المنقطع كما في قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خطئاً﴾ [ النساء : ٩٢ ] أي لكن إن كان خطأ ﴿فتحريرُ رَقبةٍ مؤمنةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ [ النساء : ٩٢ ].
المسألة الثالثة : الخوف المذكور في هذه الآية يمكن حمله على الخوف المعروف، وهو الإشفاق مما يكره وقوعه، ويمكن حمله على الظن، وذلك لأن الخوف حالة نفسانية مخصوصة، وسبب حصولها ظن أنه سيحدث مكروه في المستقبل وإطلاق اسم المعلول على العلة مجاز مشهور فلا جرم أطلق على هذا الظن اسم الخوف، وهذا مجاز مشهور فقد يقول الرجل لغيره : قد خرج غلامك بغير إذنك، فتقول : قد خفت ذلك على معنى ظننته وتوهمته، وأنشد الفراء :
إذا متُّ فادفني إلى جنب كرمة.. تروي عظامي بعد موتي عروقها


الصفحة التالية
Icon