أما قوله تعالى :﴿تِلْكَ حُدُودُ الله﴾ فالمعنى أن ما تقدم ذكره من أحكام الطلاق والرجعة والخلع ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾ أي فلا تتجاوزوا عنها، ثم بعد هذا النهي المؤكد أتبعه بالوعيد، فقال :﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون﴾ وفيه وجوه أحدها : أنه تعالى ذكره في سائر الآيات ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ [ هود : ١٨ ] فذكر الظلم ههنا تنبيهاً على حصول اللعن، وثانيها : أن الظالم اسم ذم وتحقير، فوقوع هذا الاسم يكون جارياً مجرى الوعيد، وثالثها : أنه أطلق لفظ الظلم تنبيهاً على أنه ظلم من الإنسان على نفسه، حيث أقدم على المعصية، وظلم أيضاً للغير بتقدير أن لا تتم المرأة عدتها، أو كتمت شيئاً مما خلق في رحمها، أو الرجل ترك الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان، أو أخذ من جملة ما آتاها شيئاً لا بسبب نشوز من جهة المرأة، ففي كل هذه المواضع يكون ظالماً للغير فلو أطلق لفظ الظالم دل على كونه ظالماً لنفسه، وظالماً لغيره، وفيه أعظم التهديدات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٨٩﴾
وقال ابن عاشور :
جملة ﴿تلك حدود الله فلا تعتدوها﴾ معترضة بين جملة ﴿ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً﴾ وما اتصل بها، وبين الجملة المفرعة عليها وهي ﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد﴾ الآية.
ومناسبة الاعتراض ما جرى في الكلام الذي قبلها من منع أخذ العوض عن الطلاق، إلا في حالة الخوف من ألا يقيما حدود الله، وكانت حدود الله مبينة في الكتاب والسنة، فجيء بهذه الجملة المعترضة تبْيِيناً ؛ لأن منع أخذ العوض على الطلاق هو من حدود الله.
وحدود الله استعارة للأوامر والنواهي الشرعية بقرينة الإشارة، شبهت بالحدود التي هي الفواصل المجعولة بين أملاك الناس، لأن الأحكام الشرعية، تفصل بين الحلال والحرام، والحق والباطل وتفصل بين ما كان عليه الناس قبل الإسلام، وما هم عليه بعده.


الصفحة التالية
Icon