ولما كان قد لا يقصد شيئاً من انتهاك الحرمات ولا من المصالح فكان مقدماً على ما لا يعلم أو يظن له عاقبة حميدة تهاوناً بالنظر وكان فاعل ذلك شبيهاً بالهازىء كما يقال لمن لا يجد فى أمر : هو لاعب، قال :﴿ولا تتخذوا آيات الله﴾ أي مع ما تعلمون من عظمتها بعظمة ناصبها ﴿هزواً﴾ بإهمالها عن قصد المصالح الذي هو زوجها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٣٦﴾
قوله تعالى :﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيات الله هُزُوًا﴾
قال ابن عاشور :
عطف هذا النهي على النهي في قوله :﴿ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا﴾ لزيادة التحذير من صنيعهم في تطويل العدة، لقصد المضارة، بأن في ذلك استهزاء بأحكام الله التي شرع فيها حق المراجعة، مريداً رحمة الناس، فيجب الحذر من أن يجعلوها هزؤاً.
وآيات الله هي ما في القرآن من شرائع المراجعة نحو قوله :﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ [ البقرة : ٢٢٨ ] إلى قوله ﴿وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ].
والهزء بضمتين مصدر هزأ به إذا سخر ولعب، وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي لا تتخذوها مستهزأ به، ولما كان المخاطب بهذا المؤمنين، وقد علم أنهم لم يكونوا بالذين يستهزئون بالآيات، تعين أن الهزء مراد به مجازه وهو الاستخفاف وعدم الرعاية، لأن المستخف بالشيء المهم يعد لاستخفافه به، مع العلم بأهميته، كالساخر واللاعب.
وهو تحذير للناس من التوصل بأحكام الشريعة إلى ما يخالف مراد الله، ومقاصد شرعه، ومن هذا التوصل المنهي عنه، ما يسمى بالحيل الشرعية بمعنى أنها جارية على صور صحيحة الظاهر، بمقتضى حكم الشرع، كمن يهب ماله لزوجه ليلة الحول ليتخلص من وجوب زكاته، ومن أبعد الأوصاف عنها الوصف بالشرعية.