قوله تعالى :﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
المناسبة
قال البقاعى :
ولما كان على العبد أن يقتفي أثر السيد في جميع أفعاله قال :﴿واذكروا نعمة الله﴾ أي الذي له الكمال كله ثم عبر بأداة الاستعلاء إشارة إلى عموم النعم وغلبتها فقال :﴿عليكم﴾ هل ترون فيها شيئاً من وادي العبث بخلوه عن حكمة ظاهرة ﴿وما﴾ أي وخصوا بالذكر الذي ﴿أنزل عليكم من الكتاب﴾ الذي فاق جميع الكتب وعلا عن المعارضة فغلب جميع الخلق بما أفادته أداة الاستعلاء ﴿والحكمة﴾ التي بثها فيه وفي سنة نبيه ﷺ حال كونه ﴿يعظكم﴾ أي يذكر بما يرقق قلوبكم ﴿به﴾ أي بذلك كله ﴿واتقوا الله﴾ أي بالغوا في الخوف ممن له الإحاطة بجميع صفات الكمال باستحضار ما له من العظمة التي لا تتناهى ونبه على عظيم أمره بقوله :﴿واعلموا﴾ وبتكرير الاسم الأعظم في قوله :﴿أن الله﴾ فلم يبق وراء ذلك مرمى ﴿بكل شيء﴾ أي من أمور النكاح وغيرها ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم فاحذروه حذر من يعلم أنه بحضرته وكل ما يعمله من سر وعلن فبعينه. قال الحرالي : والتهديد بالعلم منتهى التحديد - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٣٦﴾
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما رغبهم في أداء التكاليف بما ذكر من التهديد، رغبهم أيضاً في أدائها بأن ذكرهم أنواع نعمه عليهم، فبدأ أولاً بذكرها على سبيل الإجمال فقال :﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ وهذا يتناول كل نعم الله على العبد في الدنيا وفي الدين، ثم إنه تعالى ذكر بعد هذا نعم الدين، وإنما خصها بالذكر لأنها أجل من نعم الدنيا، فقال :﴿وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ الكتاب والحكمة يَعِظُكُم بِهِ﴾ والمعنى أنه إنما أنزل الكتاب والحكمة ليعظكم به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ٩٥﴾
وقال أبو حيان :


الصفحة التالية
Icon