وبني فعل تكلف للنائب ليحذف الفاعل، فيفيد حذفه عموم الفاعلين، كما يفيد وقوع نفس، وهو نكرة في سياق النفس، عموم المفعول الأول لفعل تكلف : وهو الأنفس المكلفة، وكما يفيد حذف المستثنى في قوله :﴿إلا وسعها﴾ عموم المفعول الثاني لفعل تكلف، وهو الأحكام المكلف بها، أي لا يكلف أحد نفساً إلاّ وسعها، وذلك تشريع من الله للأمة بأن ليس لأحد أن يكلف أحداً إلاّ بما يستطيعه، وذلك أيضاً وعد من الله بأنه لا يكلف في التشريع الإسلامي إلاّ بما يستطاع : في العامة والخاصة، فقد قال في آيات ختام هذه السورة ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٣٢ ـ ٤٣٣﴾
فصل فى المراد من الآية
قال الفخر :
المراد من الآية أن أب هذا الصبي لا يكلف الإنفاق عليه وعلى أمه، إلا ما تتسع له قدرته، لأن الوسع في اللغة ما تتسع له القدرة، ولا يبلغ استغراقها، وبين أنه لا يلزم الأب إلا ذلك، وهو نظير قوله في سورة الطلاق :﴿فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن﴾ ثم قال :﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى﴾ ثم بين في النفقة أنها على قدر إمكان الرجل بقوله :﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ الله لاَ يُكَلّفُ الله نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتاها﴾ [ الطلاق : ٦، ٧ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٠٣﴾
فائدة
قال العلامة الجصاص
وقَوْله تَعَالَى :﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا﴾ يُوجِبُ بُطْلَانَ قَوْلِ أَهْلِ الْإِجْبَارِ فِي اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَإِكْذَابٌ لَهُمْ فِي نِسْبَتِهِمْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ وَيَنْسُبُونَ إلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْعَبَثِ عُلُوًّا كَبِيرًا. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ١٠٦﴾