ولما أحل له التعريض وكان قد يعزم على التصريح إذا حل له ذلك نفى عنه الحرج فيه بقوله ﴿أو أكننتم﴾ أي أضمرتم ﴿في أنفسكم﴾ من تصريح وغيره سواء كان من شهوات النفس أو لا. قال الحرالي : من الكن - بالفتح - وهو الذي من معناه الكن - بالكسر - وهو ما وارى بحيث لا يوصل به إلى شيء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٤٣٤ ـ ٤٤٤﴾
قال الفخر :
التعريض في اللغة ضد التصريح، ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده ويصلح للدلالة على غير مقصوده إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وأصله من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم حوله ولا يظهره، ونظيره أن يقول المحتاج للمحتاج إليه : جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا :
وحسبك بالتسليم مني تقاضياً.. والتعريض قد يسمى تلويحاً لأنه يلوح منه ما يريد والفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن تذكر الشيء بذكر لوازمه، كقولك : فلان طويل النجاد، كثير الرماد، والتعريض أن تذكر كلاماً يحتمل مقصودك ويحتمل غير مقصودك إلا أن قرائن أحوالك تؤكد حمله على مقصودك، وأما الخطبة فقال الفراء : الخطبة مصدر بمنزلة الخطب وهو مثل قولك : أنه لحسن القعدة والجلسة تريد العقود والجلوس وفي اشتقاقه وجهان الأول : أن الخطب هو الأمر، والشأن يقال : ما خطبك، أي ما شأنك، فقولهم : خطب فلان فلانة، أي سألها أمراً وشأناً في نفسها الثاني : أصل الخطبة من الخطاب الذي هو الكلام، يقال : خطب المرأة خطبة لأنه خاطب في عقد النكاح، وخطب خطبة أي خاطب بالزجر والوعظ والخطب : الأمر العظيم، لأنه يحتاج فيه إلى خطاب كثير. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١١١﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ما عرضتم به﴾ ما موصولة، وما صْدَقها كلام، أي كلام عرضتم به، لأن التعريض يطلق على ضرب من ضروب المعاني المستفادة من الكلام، وقد بينه بقوله :﴿من خطبة النساء﴾ فدل على أن المراد كلام.


الصفحة التالية
Icon