ومادة فعَّل فيه دالة على الجعل مثل صوَّر، مشتقة من العرض بضم العين وهو الجانب أي جعل كلامه بجانب، والجانب هو الطرف، فكأن المتكلم يحيد بكلامه من جادة المعنى إلى جانب.
ونظير هذا قولهم جَنَبَه، أي جعله في جانب.
فالتعريض أن يريد المتكلم من كلامه شيئاً، غير المدلول عليه بالتركيب وضعاً، لمناسبة بين مدلول الكلام وبين الشيء المقصود، مع قرينة على إرادة المعنى التعريضي، فعلم ألا بد من مناسبة بين مدلول الكلام وبين الشيء المقصود، وتلك المناسبة : إما ملازمة أو مماثلة، وذلك كما يقول العافى لرجل كريم : جئت لأسلم عليك ولأنظر وجهك، وقد عبر عن إرادتهم مثل هذا أمية بن أبي الصلت في قوله :
إذَا أَثَنى عليكَ المرءُ يوماً
كفاهُ عن تَعَرُّضه الثَّنَاء...
وجعل الطيبي منه قوله تعالى :﴿وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله﴾ [ المائدة : ١١٦ ].
فالمعنى التعريضي في مثل هذا حاصل من الملازمة، وكقول القائل " المسلم من سلم المسلمون من لسانه" في حضرة من عرف بأذى الناس، فالمعنى التعريضي حاصل من علم الناس بمماثلة حال الشخص المقصود للحالة التي ورد فيها معنى الكلام، ولما كانت المماثلة شبيهة بالملازمة لأن حضور المماثل في الذهن يقارن حضور مثيله صح أن نقول إن المعنى التعريضي بالنسبة إلى المركبات شبيه بالمعنى الكنائي بالنسبة إلى دلالة الألفاظ المفردة، وإن شئت قلت : المعنى التعريضي من قبيل الكناية بالمركب فخص باسم التعريض كما أن المعنى الكنائي من قبيل الكناية باللفظ المفرد، وعلى هذا فالتعريض من مستتبعات التراكيب، وهذا هو الملاقى لما درج عليه صاحب " الكشاف" في هذا المقام، فالتعريض عنده مغاير للكناية من هذه الجهة وإن كان شبيهاً بها، ولذلك احتاج إلى الإشارة إلى الفرق بينهما، فالنسبة بينهما عنده التباين.


الصفحة التالية