قلنا : ليس المراد ما ذكرتم بل المراد منه أنه أباح التعريض وحرم التصريح في الحال، ثم قال :﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ﴾ والمراد أنه يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل، فالآية الأولى إباحة للتعريض في الحال، وتحريم للتصريح في الحال، والآية الثانية إباحة لأن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة، ثم أنه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله أباح ذلك، فقال :﴿عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ لأن شهوة النفس إذا حصلت في باب النكاح لا يكاد يخلو ذلك المشتهي من العزم والتمني، فلما كان دفع هذا الخاطر كالشيء الشاق أسقط تعالى عنه هذا الحرج وأباح له ذلك. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١١٣﴾
قوله تعالى :﴿ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا﴾
قال أبو حيان :
﴿علم الله أنكم ستذكرونهن﴾ هذا عذر في التعريض، لأن الميل متى حصل في القلب عسر دفعه، فأسقط الله الحرج في ذلك، وفيه طرف من التوبيخ، كقوله :" علم الله أنكم كنتم تختانون " وجاء الفعل بالسين التي تدل على تقارب الزمان المستقبل لا تراخيه، لأنهن يذكرن عندما انفصلت حبالهن من أزواجهن بالموت، وتتوق إليهن الأنفس، ويتمنى نكاحهن.
وقال الحسن، معنى : ستذكرونهن، كأنه قال : إن لم تنهوا. انتهى.
وقوله : ستذكرونهن، شامل لذكر اللسان وذكر القلب، فنفى الحرج عن التعريض وهو كسر اللسان، وعن الإخفاء في النفس وهو ذكر القلب.
قال الزمخشري، فإن قلت، أين المستدرك بقوله :﴿ولكن لا تواعدوهن﴾ ؟.
قلت، هو محذوف لدلالة :﴿ستذكرونهن﴾ عليه ﴿علم الله أنكم ستذكرونهن﴾ فاذكروهن ﴿ولكن لا تواعدوهن سرا﴾ انتهى كلامه.


الصفحة التالية
Icon