ومعاشرة الزوجين في التنويع، هي من النوع الثاني، وفي الآثار محتاجة إلى آثار النوع الأول، وينقصها من النوع الأول سببه الجبلي لأن الزوجين يكثر ألا يكونا قريبين وسببه الاصطحابي، في أول عقد التزوج حتى تطول المعاشرة ويكتسب كل من الآخر خلقه، إلا أن الله تعالى جعل في رغبة الرجل في المرأة إلى حد أن خطبها، وفي ميله إلى التي يراها، مذ انتسبت به واقترنت، وفي نيته معاشرتها معاشرة طيبة، وفي مقابلة المرأة الرجل بمثل ذلك ما يغرز في نفس الزوجين نوايا وخواطر شريفة وثقة بالخير، تقوم مقام السبب الجبلي، ثم تعقبها معاشرة وإلف تكمل ما يقوم مقام السبب الاصطحابي، وقد أشار الله تعالى إلى هذا السر النفساني الجليل، بقوله :﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ [ الروم : ٢١ ].
وقد يعرض من تنافر الأخلاق وتجافيها ما لا يطمع معه في تكوين هذين السببين أو أحدهما، فاحتيج إلى وضع قانون للتخلص من هذه الصحبة، لئلا تنقلب سبب شقاق وعداوة فالتخلص قد يكون مرغوباً لكلا الزوجين، وهذا لا إشكال فيه، وقد يكون مرغوباً لأحدهما ويمتنع منه الآخر، فلزم ترجيح أحد الجانبين وهو جانب الزوج لأن رغبته في المرأة أشد، كيف وهو الذي سعى إليها ورغب في الاقتران بها ؛ ولأن العقل في نوعه أشد، والنظر منه في العواقب أسد، ولا أشد احتمالاً لأذى وصبراً على سوء خلق من المرأة، فجعل الشرع التخلص من هذه الورطة بيد الزوج، وهذا التخلص هو المسمى : بالطلاق، فقد يعمد إليه الرجل بعد لأي، وقد تسأله المرأة من الرجل، وكان العرب في الجاهلية تسأل المرأة الرجل الطلاق فيطلقها، قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يذكر زوجتيه :
تلك عِرساي تنطقان على عمد
إلى اليوم قولَ زور وهَتْر...
سَالَتَانِي الطلاق أَن رأَتا مَا
لي قليلاً قد جئتماني بنُكْر...
وقال عبيد بن الأبرصْ :
تلكَ عِرسي غضبى تريد زيالي