لَمْ يُوجَدْ وَقَوْلُك عَدَمٌ يُشِيرُ إلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ دُونَ أَفْرَادِهَا، وَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَالأَلْفِ وَهَذَا الْمَعْنَى فَيُطْلَقُ عَدَمُهَا عِنْدَ انْتِفَاءِ بَعْضِهَا. فَلا يَحْمِلْك ذَلِكَ عَلَى إنْكَارِ مَا قُلْنَاهُ. فَلِذَلِكَ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ وَاحْتَرَزْنَا مِنْهُ وَهُوَ إطْلاقٌ مَجَازِيٌّ لا حَقِيقِيٌّ. وَالْحَقِيقِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا أَسْنَدْت النَّفْيَ إلَى شَيْئَيْنِ أَوْ شَيْءٍ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ أَوْ إلَى شَيْءٍ وَعَطَفْت عَلَيْهِ غَيْرَهُ بِالْوَاوِ. أَمَّا إذَا عَطَفْت بِأَوْ فَقُلْت : لَمْ يُوجَدْ هَذَا أَوْ هَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَرْفُ النَّفْيِ فَالْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ لا هَذَا وَلا هَذَا ؛ فَكَذَلِكَ قَوْلُك لا تَضْرِبْ هَذَا أَوْ هَذَا وَلا تُعْطِ هَذَا أَوْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا فَلَوْ أَعَدْت حَرْفَ النَّفْيِ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى تَرْدِيدًا بَيْنَ النَّفِيَّيْنِ هَلْ انْتَفَى هَذَا أَوْ انْتَفَى هَذَا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْوَاوِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْهَا أَلْفُ الاسْتِفْهَامِ وَلَوْ قُلْت أَوْ لا تُطِعْ كَفُورًا انْقَلَبَ الْمَعْنَى. قِيلَ يَعْنِي أَنَّهُ يَصِيرُ إضْرَابًا ؛ كَأَنَّهُ تَرَكَ النَّهْيَ عَنْ اتِّبَاعِ الآثِمِ وَأَضْرَبَ عَنْهُ وَنَهَى عَنْ طَاعَةِ الْكَفُورِ فَقَطْ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِكَلامِ سِيبَوَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ. وَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ طَاعَةَ هَذَا أَوْ طَاعَةَ هَذَا، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ أَحَدِهِمَا لا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.


الصفحة التالية
Icon