قلت : ما ذكره الطبري عن مجاهد صحيح ثابت، خرّج البخاريّ قال : حدّثنا إسحاق قال حدّثنا روح قال حدّثنا شِبْل عن ابن أبي نجِيح عن مجاهد ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً﴾ قال : كانت هذه العدّة تعتدّ عند أهل زوجها واجبة فأنزل الله تعالى :﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً إلى قوله مِن مَّعْرُوفٍ﴾ قال : جعل الله لها تمام السَّنَة سبعةَ أشهر وعشرين ليلةً وصِيَّةً، إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى :﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ إلا أن القول الأوّل أظهر لقوله عليه السلام :" إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول " الحديث. وهذا إخبار منه ﷺ عن حالة المتوفَّى عنهنّ أزواجهنّ قبل ورود الشرع، فلما جاء الإسلام أمرهنّ الله تعالى بملازمة البيوت حولا ثم نسخ بالأربعة الأشهر والعشر، هذا مع وضوحه في السُّنة الثابتة المنقولة بأخبار الآحاد إجماعٌ من علماء المسلمين لا خلاف فيه ؛ قاله أبو عمر، قال : وكذلك سائر الآية.
فقوله عز وجل :﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الحول غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ منسوخٌ كله عند جمهور العلماء، ثم نسخ الوصية بالسكنى للزوجات في الحول، إلا رواية شاذّة مهجورة جاءت عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد لم يُتابع عليها، ولا قال بها فيما زاد على الأربعة الأشهر والعشر أحدٌ من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم فيما علمتُ. وقد رَوى ابن جُرَيْج عن مجاهد مثل ما عليه الناس، فانعقد الإجماع وارتفع الخلاف، وبالله التوفيق. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٢٦ ـ ٢٢٧﴾