وقال أبو حيان ـ ولله دره ـ :
﴿وهم ألوف﴾ في هذا تنبيه على أن الكثرة والتعاضد، وإن كانا نافعين في دفع الأذيات الدنيوية، فليسا بمغنيين في الأمور الإلهية.
وهي جملة حالية، وألوف جمع ألف جمع كثرة، فناسب أن يفسر بما زاد على عشرة آلاف، فقيل : ستمائة ألف. وقال عطاء : تسعون، وقيل : ثمانون، وقال عطاء أيضاً سبعون وقال ابن عباس : أربعون. وقال أيضاً : بضع وثلاثون. وقال أبو مالك : ثلاثون، يعنون ألفاً.
وقد فسر بما هو لأدنى العدد استعير لفظ الجمع الكثير للجمع القليل، فقال أبو روق : عشرة آلاف، وقال الكلبي ومقاتل : ثمانية، وقال أبو صالح : سبعة، وقال ابن عباس، وابن جبير : أربعة وقال عطاء الخراساني : ثلاثة آلاف.
وقال البغوى : الأَوْلى قول من قال : إنهم كانوا زيادة على عشرة آلاف، لأن ألوفاً جمع الكثير، ولا يقال لما دون العشرة الآلاف ألوف. انتهى. وهذا ليس كما ذكر، فقد يستعار أحد الجمعين للآخر، وإن كان الأصل استعمال كل واحد منهما في موضوعه.
وهذه التقديرات كلها لا دليل على شيء منها، ولفظ القرآن :﴿وهم ألوف﴾ لم ينص على عدد معين، ويحتمل أن لا يراد ظاهر جمع ألف، بل يكون ذلك المراد منه التكثير، كأنه قيل : خرجوا من ديارهم وهم عالم كثيرون، لا يكادون يحصيهم عادٌّ، فعبر عن هذا المعنى بقوله : وهم ألوف، كما يصح أن تقول : جئتك ألف مرة، لا تريد حقيقة العدد إنما تريد جئتك مراراً كثيرة لا تكاد تحصى من كثرتها ونظير ذلك قول الشاعر : هو المنزل الآلاف من جوّ ناعط... بني أسد حزناً من الأرض أوعرا


الصفحة التالية