ولعل من كان معه لم يكن ألوفاً، فضلاً عن أن يكونوا آلافاً، ولكنه أراد بذلك التكثير، لأن العرب تكثر بآلاف وتجمعه، والجمهور على أن قوله : وهم ألوف، جمع ألف العدد المعروف الذي هو تكرير مائة عشر مرات، وقال ابن زيد : ألوف جمع آلف. كقاعد وقعود. أي : خرجوا وهم مؤتلفون لم يخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم، بل ائتلفوا، فخالفت هذه الفرقة، فخرجت فراراً من الموت وابتغاء الحياة، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم. وقال الزمخشري : وهذا من بدع التفاسير، وهو كما قال. وقال القاضي : كونه جمع ألف من العدد أولى، لأن ورود الموت عليهم وهم كثرة عظيمة تفيد مزيد اعتبار، وأما وروده على قوم بينهم ائتلاف فكوروده وبينهم اختلاف في أن وجه الاعتبار لا يتغير. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٥٩﴾
قوله تعالى :﴿حَذَرَ الموت﴾
قال الفخر :
أما قوله :﴿حَذَرَ الموت﴾ فهو منصوب لأنه مفعول له، أي لحذر الموت، ومعلوم أن كل أحد يحذر الموت، فلما خص هذا الموضع بالذكر، علم أن سبب الموت كان في تلك الواقعة أكثر، إما لأجل غلبة الطاعون أو لأجل الأمر بالمقاتلة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٣٩﴾
فائدة
قال ابن العربى :
الْأَصَحُّ وَالْأَشْهَرُ أَنَّ خُرُوجَهُمْ إنَّمَا كَانَ فِرَارًا مِنْ الطَّاعُونِ، وَهَذَا حُكْمٌ بَاقٍ فِي مِلَّتِنَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :﴿إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ﴾.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ : أَمَّا الدُّخُولُ فَفِيهِ الْخِلَافُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : مَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ ؛ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ مَخُوفٍ وَاجِبٌ.
الثَّانِي : إنَّمَا نَهَى عَنْ دُخُولِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْ مُهِمَّاتِ دِينِهِ بِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْخَوْفِ، بِمَا يُرَى مِنْ عُمُومِ الْآلَامِ وَشُمُولِ الْأَسْقَامِ.
الثَّالِثُ : مَا يُخَافُ مِنْ السَّخَطِ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِهِ، وَذَهَابِ الصَّبْرِ عَلَى مَا يَنْزِلُ مِنْ الْقَضَاءِ.
الرَّابِعُ : مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ، كَأَنْ يَقُولَ : لَوْلَا دُخُولِي فِي هَذَا الْبَلَدِ لَمَا نَزَلَ بِي مَكْرُوهٌ.
وَأَمَّا الْخُرُوجُ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمَرْضَى مُهْمَلِينَ مَعَ مَا يَنْتَظِمُ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ١ صـ ٣٠٤ ـ ٣٠٥﴾
قوله تعالى :﴿فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ﴾ ففي تفسير ﴿قَالَ الله﴾ وجهان
الأول : أنه جار مجرى قوله :﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [ النحل : ٤٠ ] وقد تقدم أنه ليس المراد منه إثبات قول، بل المراد أنه تعالى متى أراد ذلك وقع من غير منع وتأخير، ومثل هذا عرف مشهور في اللغة، ويدل عليه قوله :﴿ثُمَّ أحياهم﴾ فإذا صح الإحياء بالقول، فكذا القول في الإماتة.


الصفحة التالية
Icon