والمقصود من هذا موعظة المسلمين بترك الجبن، وأن الخوف من الموت لا يدفع الموت، فهؤلاء الذين ضُرب بهم هذا المثلُ خرجوا من ديارهم خائفين من الموت، فلم يغن خوفهم عنهم شيئاً، وأراهم الله الموت ثم أحياهم، ليصير خُلُق الشجاعة لهم حاصلاً بإدراك الحس.
ومحل العبرة من القصة هو أنهم ذاقوا الموت الذي فروا منه، ليعلموا أن الفرار لا يغني عنهم شيئاً، وأنهم ذاقوا الحياة بعد الموت، ليعلموا أن الموت والحياة بيد الله، كما قال تعالى :﴿قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل﴾ [ الأحزاب : ١٦ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٤٧٩ ـ ٤٨٠﴾
وقال أبو حيان :
﴿فقال لهم الله موتوا﴾ ظاهره أن ثَمّ قولاً لله، فقيل : قال لهم ذلك على لسان الرسول الذي أذن له في أن يقول لهم ذلك عن الله، وقيل : على لسان الملك. وحكي : أن ملكين صاحا بهم : موتوا، فماتوا. وقيل : سمعت الملائكة ذلك فتوفتهم، وقيل : لا قول هناك، وهو كناية عن قابليتهم الموت في ساعة واحدةٍ وموتهم كموتة رجل واحد، والمعنى : فأماتهم، لكن أخرج ذلك مخرج الشخص المأمور بشيء، المسرع الامتثال من غير توقف، ولا امتناع، كقوله تعالى :﴿كن فيكون﴾
وفي الكلام حذف، التقدير : فماتوا، وظاهر هذا الموت مفارقة الأرواح الأجساد، فقيل : ماتوا ثمانية أيام ثم أحياهم بعد، بدعاء حزقيل ؛ وقيل : سبعة أيام، وقد تقدّم في بعض القصص أنه عريت عظامهم وتفرقت أوصالهم، وهذا لا يكون في العادة في ثمانية أيام، وهذا الموت ليس بموت الآجال، بل جعله الله في هؤلاء كمرض وحادث مما يحدث على البشر، كحال ﴿الذي مر على قرية﴾ المذكورة بعد هذا.
﴿ثم أحياهم﴾ العطف بثم يدل على تراخي الإحياء عن الإماتة، قال قتادة : أحياهم ليستوفوا آجالهم.


الصفحة التالية
Icon