وأتت هذه القصة بين يدي الأمر بالقتال تشجيعاً للمؤمنين، وحثاً على الجهاد والتعريض للشهادة، وإعلاماً أن لا مفر مما قضى الله تعالى :﴿قل لن يصيبنا إلاَّ ما كتب الله لنا﴾ واحتجاجاً على اليهود، والنصارى بإنبائه ﷺ بما لا يدفعون صحته، مع كونه أمّياً لم يقرأ كتاباً، ولم يدارس أحداً، وعلى مشركي العرب إذ من قرأ الكتب يصدقه في إخباره بما جاء به مما هو في كتبهم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٦٠﴾
سؤال : لم عبر بالأمر، دون أن يقال : فأماتهم الله ثم أحياهم ؟
الجواب : إنما عبر بالأمر، دون أن يقال : فأماتهم الله ثم أحياهم ليكون أدل على نفوذ القدرة وغلبة الأمر، فإن التعبير بالإنشاء في التكوينيات أقوى وآكد من التعبير بالإخبار كما أن التعبير بصورة الإخبار الدال على الوقوع في التشريعيات أقوى وآكد من الإنشاء، ولا يخلو قوله تعالى :﴿ثم أحياهم﴾ عن الدلالة على أن الله أحياهم ليعيشوا فعاشوا بعد حياتهم، إذ لو كان إحياؤهم لعبرة يعتبر بها غيرهم أو لإتمام حجة أو لبيان حقيقة لذكر ذلك على ما هو دأب القرآن في بلاغته كما في قصة أصحاب الكهف، على أن قوله تعالى بعد :﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾، يشعر بذلك أيضا. أ هـ ﴿الميزان ٢ صـ ٢٧٩﴾
قوله تعالى :﴿ثُمَّ أحياهم﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿ثُمَّ أحياهم﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الآية دالة على أنه تعالى أحياهم بعد أن ماتوا فوجب القطع به، وذلك لأنه في نفسه جائز والصادق أخبر عن وقوعه فوجب القطع بوقوعه، أما الإمكان فلأن تركب الأجزاء على الشكل المخصوص ممكن، وإلا لما وجد أولاً، واحتمال تلك الأجزاء للحياة ممكن وإلا لما وجد أولاً، ومتى ثبت هذا فقد ثبت الإمكان، وأما إن الصادق قد أخبر عنه ففي هذه الآية، ومتى أخبر الصادق عن وقوع ما ثبت في العقل إمكان وقوعه وجب القطع به.
المسألة الثانية : قالت المعتزلة : إحياء الميت فعل خارق للعادة، ومثل هذا لا يجوز من الله تعالى إظهاره إلا عندما يكون معجزة لنبي، إذ لو جاز ظهوره لا لأجل أن يكون معجزة لنبي لبطلت دلالته على النبوة، وأما عند أصحابنا فإنه يجوز إظهار خوارق العادات لكرامة الولي، ولسائر الأغراض، فكأن هذا الحصر باطلاً، ثم قالت المعتزلة : وقد روي أن هذا الإحياء إنما وقع في زمان حزقيل النبي عليه السلام ببركة دعائه، وهذا يحقق ما ذكرناه من أن مثل هذا لا يوجد إلا ليكون معجزة للأنبياء عليهم السلام، وقيل : حزقيل هو ذو الكفل، وإنما سمي بذلك لأنه تكفل بشأن سبعين نبياً وأنجاهم من القتل، وقيل : إنه عليه السلام مر بهم وهم موتى فجعل يفكر فيهم متعجباً، فأوحى الله تعالى إليه : إن أردت أحييتهم وجعلت ذلك الإحياء آية لك، فقال : نعم فأحياهم الله تعالى بدعائه.


الصفحة التالية
Icon