وقال ابن عطية :
وقوله تعالى :﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾ الآية، تنبيه على فضل الله على هؤلاء القوم الذين تفضل عليهم بالنعم وأمرهم بالجهاد، وأمرهم بأن لا يجعلوا الحول والقوة إلاّ له، حسبما أمر جميع العالم بذلك، فلم يشكروا نعمته في جميع هذا، بل استبدوا وظنوا أن حولهم وسعيهم ينجيهم. وهذه الآية تحذير لسائر الناس من مثل هذا الفعل، أي فيجب أن يشكر الناس فضل الله في إيجاده لهم ورزقه إياهم وهدايته بالأوامر والنواهي، فيكون منهم الجري إلى امتثالها لا طلب الخروج عنها، وتخصيصه تعالى الأكثر دلالة على الأقل الشاكر. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٣٢٨﴾
وقال العلامة أبو حيان :
﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾ أكد هذه الجملة : بإن، واللام، وأتى الخبر : لذو، الدالة على الشرف، بخلاف صاحب، و : الناس، هنا عام، لأن كل أحد لله عليه فضل أيّ فضل، وخصوصاً هنا، حيث نبههم على ما به يستبصرون ويعتبرون على النشأة الآخرة، وأنها ممكنة عقلا، كائنة بإخباره تعالى : إذ أعاد إلى الأجسام البالية المشاهدة بالعين الأرواح المفارقة، وأبقاها فيها الأزمان الطويلة إلى أن قبضها ثانية، وأي فضل أجل من هذا الفضل، إذ تتضمن جميع كليات العقائد المنجية وجزئياتها : ويجوز أن يراد : بالناس، ههنا الخصوص، وهم هؤلاء الذين تفضل عليهم بالنعم، وأمرهم بالجهاد ففروا منه خوفاً من الموت، فأماتهم، ثم تفضل عليهم بالإحياء وطوّل لهم في الحياة ليستيقنوا أن لا مفر من القدر، ويستدركوا ما فاتهم من الطاعات، وقص الله علينا ذلك تنبيهاً على أن لا نسلك مسلكهم بل نمتثل ما يأمر به تعالى.