قال القرطبى :
اختلف الناس في هذه الآية ؛ فقال أبو ثور : هي مُحكمةٌ، والمُتْعَة لكل مطلَّقة ؛ وكذلك قال الزُّهريّ. ( قال الزهري ) حتى للأمة يطلقها زوجها.
وكذلك قال سعيد بن جبير : لكل مطلقة متعة وهو أحد قولي الشافعيّ لهذه الآية. وقال مالك لكل مطلقة اثنتين أو واحدة بَنَى بها أم لا ؛ سَمَّى لها صداقاً أم لا المتعةُ، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمي لها صداقاً فحسبُها نصفُه، ولو لم يكن سمى لها كان لها المتعة أقلّ من صداق المِثل أو أكثر، وليس لهذه المتعة حدّ ؛ حكاه عنه ابن القاسم. وقال ابن القاسم في إرْخَاء السُّتُور من المدوّنة، قال : جعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة بهذه الآية، ثم استثنى في الآية الأُخرى التي قد فُرض لها ولم يدخل بها فأخرجها من المتعة، وزعم ابن زَيْد أنها نسختها. قال ابن عطية : فقرّ ابن القاسم من لفظ النّسْخ إلى لفظ الاستثناء والاستثناء لا يَتّجِه في هذا الموضع، بل هو نسخ محضٌ كما قال زيد بن أسلم، وإذا التزم ابن القاسم أن قوله :﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ﴾ يعُمّ كل مطلقة لزمه القول بالنسخ ولا بدّ. وقال عطاء بن أبي رباح وغيره : هذه الآية في الثِّيبات اللواتي قد جُومِعْن، إذْ تقدّم في غير هذه الآية ذكر المتعة للّواتي لم يُدخَل بهنّ ؛ فهذا قول بأن التي قد فُرض لها قبل المَسِيس لم تدخل قط في العموم. فهذا يجيء على أن قوله تعالى :﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾ مخصِّصة لهذا الصنف من النِّساء، ومتى قيل : إن هذا العموم يتناولها فذلك نسخ لا تخصيص. وقال الشافعيّ في القول الآخر : إنه لا متعة إلا للتي طلقت قبل الدخول وليس ثمّ مَسِيسٌ ولا فرض ؛ لأن من استحقت شيئاً من المهر لم تحتج في حقها إلى المتعة. وقول الله عز وجل في زوجات النبيّ ﷺ :﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [ الأحزاب : ٢٨ ] محمول على أنه تطوّع من النبيّ ﷺ، ولا وجوبَ


الصفحة التالية
Icon