قال الفخر :
اعلم أنه لما بين في الآية الأولى أنه أجابهم إلى ما سألوا، ثم إنهم تولوا فبين أن أول ما تولوا إنكارهم إمرة طالوت، وذلك لأنهم طلبوا من نبيهم أن يطلب من الله أن يعين لهم ملكاً فأجابهم بأن الله قد بعث لهم طالوت ملكاً، قال صاحب " الكشاف" : طالوت اسم أعجمي، كجالوت، وداود وإنما امتنع من الصرف لتعريفه وعجمته، وزعموا أنه من الطول لما وصف به من البسطة في الجسم، ووزنه إن كان من الطول فعلوت، وأصله طولوت، إلا أن امتناع صرفه يدفع أن يكون منه، إلا أن يقال : هو اسم عبراني وافق عربياً كما وافق حطة حنطة، وعلى هذا التقدير يكون أحد سببيه العجمة لكونه عبرانياً، ثم إن الله تعالى لما عينه لأن يكون ملكاً لهم أظهروا التولي عن طاعته، والإعراض عن حكمه، وقالوا :﴿أنى يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا﴾ واستبعدوا جداً أن يكون هو ملكاً عليهم، قال المفسرون : وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بني إسرائيل، وهو سبط لاوى بن يعقوب، ومنه موسى وهرون، وسبط المملكة، سبط يهوذا، ومنه داود وسليمان، وأن طالوت ما كان من أحد هذين السبطين، بل كان من ولد بنيامين فلهذا السبب أنكروا كونه ملكاً لهم، وزعموا أنهم أحق بالملك منه، ثم أنهم أكدوا هذه الشبهة بشبهة أخرى، وهي قولهم : ولم يؤت سعة من المال، وذلك إشارة إلى أنه فقير، واختلفوا فقال وهب، كان دبّاغاً، وقال السدي : كان مكارياً، وقال آخرون، كان سقاء. (١) أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٦ صـ ١٤٦ ـ ١٤٧﴾
قال ابن عاشور :
أعاد الفعل في قوله :﴿وقال لهم نبيهم﴾ للدلالة على أن كلامه هذا ليس من بقية كلامه الأول، بل هو حديث آخر متأخر عنه وذلك أنه بعد أن حذرهم عواقب الحكومة الملكية وحذرهم التولي عن القتال، تكلم معهم كلاماً آخَرَ في وقت آخر.
(١) مثل هذا الكلام يفتقر إلى السند ولا يترتب على ذكره كبير فائدة. والله أعلم.